مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٤٦
محيصن أنه كسر الواو وأسكن الراء وأدغم القاف في الكاف، وهذا غير جائز لالتقاء الساكنين على هذه، والورق اسم للفضة سواء كانت مضروبة أم لا، ويدل عليه ما روي أن عرفجة اتخذ أنفا من ورق، وفيه لغات ورق وورق وورق مثل كبد وكبد وكبد، ذكره الفراء والزجاج قال الفراء وكسر الواو أردؤها. ويقال أيضا للورق الرقة، قال الأزهري أصله ورق مثل صلة وعدة، قال المفسرون كانت معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم يعني بالمدينة التي يقال لها اليوم طرسوس، وهذه الآية تدل على أن السعي في إمساك الزاد أمر مهم مشروع وأنه لا يبطل التوكل وقوله : فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً. قال ابن عباس : يريد ما حل من الذبائح لأن عامة أهل بلدهم كانوا مجوسا وفيهم قوم يخفون إيمانهم.
وقال مجاهد : كان ملكهم ظالما فقولهم : أَزْكى طَعاماً يريدون أيها أبعد عن الغضب، وقيل أيها أطيب وألذ، وقيل أيها أرخص، قال الزجاج : قوله : أَيُّها رفع بالابتداء، وأَزْكى خبره وطَعاماً نصب على التمييز، وقوله : وَلْيَتَلَطَّفْ أي يكون ذلك في سر وكتمان يعني دخول المدينة وشراء الطعام وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً أي لا يخبرن بمكانكم أحدا من أهل المدينة : إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي يطلعوا ويشرفوا على مكانكم أو على أنفسكم من قولهم : ظهرت على فلان إذا علوته وظهرت على السطح إذا صرت فوقه، ومنه قوله تعالى : فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ [الصف : ١٤] أي عالين، وكذلك قوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة : ٣٣] أي ليعليه وقوله : يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم، والرجم بمعنى القتل كثير في التنزيل كقوله : وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ [هود : ٩١] وقوله : أَنْ تَرْجُمُونِ [الدخان : ٢٠] وأصله الرمي، قال الزجاج : أي يقتلوكم بالرجم، والرجم أخبث أنواع القتل : أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ أي يردوكم إلى دينهم وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً أي إذا رجعتم إلى دينهم لن تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة قال الزجاج قوله : إِذاً أَبَداً يدل على الشرط أي ولن تفلحوا إن رجعتم إلى ملتهم أبدا، قال القاضي :
ما على المؤمن الفار بدينه أعظم من هذين فأحدهما فيه هلاك النفس وهو الرجم الذي هو أخبث أنواع القتل، والآخر هلاك الدين بأن يردوا إلى الكفر، فإن قيل : أليس أنهم لو أكرهوا على الكفر حتى إنهم أظهروا الكفر لم يكن عليهم مضرة فكيف قالوا : وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً / قلنا يحتمل أن يكون المراد أنهم لو ردوا هؤلاء المسلمين إلى الكفر على سبيل الإكراه بقوا مظهرين لذلك الكفر مدة فإنه يميل قلبهم إلى ذلك الكفر ويصيرون كافرين في الحقيقة، فهذا الاحتمال قائم فكان خوفهم منه، واللّه أعلم.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢١ إلى ٢٢]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)
اعلم أن المعنى كما زدناهم هدى وربطنا على قلوبهم وأنمناهم وقلبناهم وبعثناهم لما فيها من الحكم


الصفحة التالية
Icon