مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٥٠
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٣ إلى ٢٦]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)
[في قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إلى قوله هذا رَشَداً] اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال المفسرون إن القوم لما سألوا النبي صلّى اللّه عليه وسلم عن المسائل الثلاثة، قال عليه السلام أجيبكم عنها غدا ولم يقل إن شاء اللّه، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوما وفي رواية أخرى أربعين يوما، ثم نزلت هذه الآية،
اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين. الأول : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كان عالما بأنه إذا أخبر عن أنه سيفعل الفعل الفلاني غدا فربما جاءته الوفاة قبل الغد، وربما عاقه عائق آخر عن الإقدام على ذلك الفعل غدا، وإذا كان كل هذه الأمور محتملا، فلو لم يقل إن شاء اللّه ربما خرج الكلام مخالفا لما عليه الوجود وذلك يوجب التنفير عنه، وعن كلامه عليه السلام، أما إذا قال إن شاء اللّه كان محترزا عن هذا المحذور، وإذا كان كذلك كان من البعيد أن يعد بشيء ولم يقل فيه إن شاء اللّه. الثاني : أن هذه الآية مشتملة على فوائد كثيرة وأحكام جمة فيبعد قصرها على هذا السبب ويمكن أن يجاب عن الأول : أنه لا نزاع أن الأولى أن يقول إن شاء اللّه إلا أنه ربما اتفق له أنه نسي هذا الكلام لسبب من الأسباب فكان ذلك من باب ترك الأولى والأفضل، وأن يجاب عن الثاني أن اشتماله على الفوائد الكثيرة لا يمنع من أن يكون سبب نزوله واحدا منها.
المسألة الثانية : قوله : إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ليس فيه بيان أنه شاء اللّه ماذا، وفيه قولان : الأول : التقدير :
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن يأذن لك في ذلك القول، والمعنى أنه ليس لك أن تخبر عن نفسك أنك تفعل الفعل الفلاني إلا إذا أذن اللّه لك في ذلك الإخبار. القول الثاني : أن يكون التقدير :
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إلا أن تقول : إن شاء الله والسبب في أنه لا بد من ذكر هذا القول هو أن الإنسان إذا قال سأفعل الفعل الفلاني غدا لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد، ولم يبعد أيضا لو بقي حيا أن يعوقه عن ذلك الفعل شيء من العوائق، فإذا كان لم يقل إن شاء اللّه صار كاذبا في ذلك الوعد، والكذب منفر وذلك لا يليق بالأنبياء عليهم السلام، فلهذا السبب أوجب عليه أن يقول : إن شاء الله حتى أن بتقدير أن يتعذر عليه الوفاء بذلك الموعود لم يصر كاذبا فلم يحصل التنفير.
المسألة الثالثة : اعلم أن مذهب المعتزلة أن اللّه تعالى يريد الإيمان والطاعة من العبد والعبد يريد الكفر والمعصية لنفسه فيقع مراد العبد ولا يقع مراد اللّه فتكون إرادة العبد غالبة وإرادة اللّه تعالى مغلوبة، وأما عندنا فكل ما أراد اللّه تعالى فهو واقع فهو تعالى يريد الكفر من الكافر ويريد الإيمان من المؤمن وعلى هذا التقرير فإرادة اللّه تعالى غالبة وإرادة العبد مغلوبة إذا عرفت هذا فنقول إذا قال العبد لأفعلن كذا غدا إلا أن يشاء اللّه واللّه إنما يدفع عنه الكذب إذا كانت إرادة اللّه غالبة على إرادة العبد فإن على هذا القول يكون التقدير أن العبد قال أنا


الصفحة التالية
Icon