مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٦٠
وأخرج نفاثة كانت فيه وأوقد عليها النار حتى تلألأت ثم قال : هذا هو المهل، قال أبو عبيدة والأخفش كل شيء أذبته من ذهب أو نحاس أو فضة فهو المهل، وقيل : إنه الصديد والقيح، وقيل إنه ضرب من القطران. ثم يحتمل أن تكون هذه الاستغاثة لأنهم إذا طلبوا ماء للشرب فيعطون هذا المهل قال تعالى : تَصْلى ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الغاشية : ٤، ٥] ويحتمل أن يستغيثوا من حر جهنم فيطلبوا ماء يصبونه على أنفسهم للتبريد فيعطون هذا الماء. قال تعالى حكاية عنهم : أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الأعراف : ٥٠] وقال في آية أخرى :
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم : ٥٠] فإذا استغاثوا من حر جهنم صب عليهم القطران الذي يعم كل أبدانهم كالقميص وقوله تعالى : يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ وارد على سبيل الاستهزاء كقوله :
تحية بينهم ضرب وجيع ثم قال تعالى : بِئْسَ الشَّرابُ أي أن الماء الذي هو كالمهل بئس الشراب لأن المقصود بشرب الشراب تسكين الحرارة وهذا يبلغ في احتراق الأجسام مبلغا عظيما ثم قال تعالى : وَساءَتْ مُرْتَفَقاً قال قائلون :
ساءت النار منزلا ومجتمعا للرفقة لأن أهل النار يجتمعون رفقاء كأهل الجنة. قال تعالى في صفة أهل الجنة :
وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء : ٦٩] وأما رفقاء النار فهم الكفار والشياطين / والمعنى بئس الرفقاء هؤلاء وبئس موضع الترافق النار كما أنه نعم الرفقاء أهل الجنة ونعم موضع الرفقاء الجنة. وقال آخرون مرتفقا أي متكأ، وسمي المرفق مرفقا لأنه يتكأ عليه، فالاتكاء إنما يكون للاستراحة، والمرتفق موضع الاستراحة واللّه أعلم.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٠ إلى ٣١]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد المبطلين أردفه بوعد المحقين وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يدل على أن العمل الصالح مغاير للإيمان لأن العطف يوجب المغايرة.
المسألة الثانية : قوله : إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ظاهره يقتضي أنه يستوجب المؤمن بحسن عمله على اللّه أجرا، وعند أصحابنا ذلك الاستيجاب حصل بحكم الوعد وعند المعتزلة لذات الفعل وهو باطل لأن نعم اللّه كثيرة وهي موجبة للشكر والعبودية فلا يصير الشكر والعبودية موجبين لثواب آخر لأن أداء الواجب لا يوجب شيئا آخر.
المسألة الثالثة : نظير قوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إلخ قول الشاعر :
إن الخليفة إن الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم
كرر أن تأكيدا للأعمال والجزاء عليها.
المسألة الرابعة : أولئك خبر إن وإنا لا نضيع اعتراض ولك أن تجعل إنا لا نضيع وأولئك خبرين معا ولك


الصفحة التالية
Icon