مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٦٥
عنه، واعلم أن الذي ذكر الكعبي ليس جوابا عن الاستدلال بل هو التزام المخالفة لظاهر النص وقياس الإرادة على الأمر، باطل لأن هذا النص دال على أنه لا يوجد إلا ما أراده اللّه وليس في النصوص ما يدل على أنه لا يدخل في الوجود إلا ما أمر به فظهر الفرق وأجاب القفال عنه بأن قال : هلا إذا دخلت بستانك قلت ما شاء اللّه كقول الإنسان هذه الأشياء الموجودة في هذا البستان ما شاء اللّه، ومثله قوله : سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف : ٢٢] وهم ثلاثة وقوله : وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة : ٥٨] أي قولوا هذه حطة وإذا كان كذلك كان المراد من هذا الشيء الموجود في البستان شيء شاء اللّه تكوينه وعلى هذا التقدير لم يلزم أن يقال كل ما شاء اللّه وقع لأن هذا الحكم غير عام في الكل بل مختص بالأشياء المشاهدة في البستان وهذا التأويل الذي ذكره القفال أحسن بكثير مما ذكره الجبائي والكعبي، وأقول : إنه على جوابه لا يدفع الإشكال على المعتزلة لأن عمارة ذلك البستان ربما حصلت بالغصوب والظلم الشديد فلا يصح أيضا على قول المعتزلة أن يقال : هذا واقع بمشيئة اللّه. اللهم إلا أن نقول المراد أن هذه الثمار حصلت بمشيئة اللّه تعالى إلا أن هذا تخصيص لظاهر النص من غير دليل. والكلام الثاني : الذي أمر المؤمن الكافر بأن يقوله هو قوله : لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أي لا قوة لأحد على أمر من الأمور إلا بإعانة اللّه وإقداره.
والمقصود أنه قال المؤمن للكافر : هلا قلت عند دخول جنتك الأمر ما شاء اللّه والكائن ما قدرة اللّه اعترافا بأنها وكل خير فيها بمشيئة اللّه وفضله فإن أمرها بيده إن شاء تركها وإن شاء خربها، وهلا قلت لا قوة إلا باللّه إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فهو بمعونة اللّه وتأييده لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا باللّه ثم إن المؤمن لما علم الكافر الإيمان أجابه عن افتخاره بالمال والنفر فقال : إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً من قرأ أقل بالنصب فقد جعل أنا فصلا وأقل مفعولا ثانيا ومن قرأ بالرفع جعل قوله :
أَنَا مبتدأ وقوله : أَقَلَّ خبر والجملة مفعولا ثانيا لترن واعلم أن ذكر الولد هاهنا يدل على أن المراد بالنفر المذكور في قوله : وَأَعَزُّ نَفَراً الأعوان والأولاد كأنه يقول له : إن كنت تراني : أقل مالا وولدا وأنصارا في الدنيا الفانية : فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ إما في الدنيا، وإما في الآخرة. ويرسل على جنتك :
حُسْباناً مِنَ السَّماءِ أي عذابا وتخريبا والحسبان مصدر كالغفران والبطلان بمعنى الحساب / أي مقدارا قدره اللّه وحسبه وهو الحكم بتخريبها. قال الزجاج : عذاب حسبان وذلك الحسبان حسبان ما كسبت يداك وقيل حسبانا أي مرامي الواحد منها حسبانة وهي الصواعق : فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أي فتصبح جنتك أرضا ملساء لا نبات فيها والصعيد وجه الأرض، زلقا أي تصير بحيث تزلق الرجل عليها زلقا ثم قال : أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أي يغوص ويسفل في الأرض : فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً أي فيصير بحيث لا تقدر على رده إلى موضعه. قال أهل اللغة في قوله : ماؤُها غَوْراً أي غائرا وهو نعت على لفظ المصدر كما يقال : فلان زور وصوم للواحد والجمع والمذكر والمؤنث ويقال نساء نوح أي نوائح ثم أخبر اللّه تعالى أنه حقق ما قدره هذا المؤمن فقال :
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ وهو عبارة عن إهلاكه بالكلية وأصله من إحاطة العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل إهلاك ومنه قوله : إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يوسف : ٦٦] ومثله قولهم : أتى عليه إذا أهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعليا عليهم. ثم قال تعالى : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ وهو كناية عن الندم والحسرة فإن من عظمت حسرته يصفق إحدى يديه على الأخرى، وقد يمسح إحداهما على الأخرى، وإنما يفعل هذا ندامة على ما أنفق في الجنة التي وعظه أخوه فيها وعذله : وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي ساقطة على عروشها فيمكن أن يكون المراد بالعروش عروش الكرم فهذه العروش سقطت ثم سقطت الجدران عليها ويمكن أن يراد


الصفحة التالية
Icon