مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٧٨
خصمه «١» بالمعجزات القاهرة العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر أكابر الأنبياء يبعد أن يبعثه بعد ذلك لتعلم الاستفادة، وأجيب عنه بأنه لا يبعد أن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعض الأشياء فيحتاج في تعلمها إلى من دونه وهذا أمر متعارف معلوم.
المسألة الثالثة : اختلفوا في فتى موسى فالأكثرون على أنه يوشع بن نون، وروى القفال عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي هريرة عن أبي بن كعب عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول فتاه يوشع بن نون.
والقول الثاني : أن فتى موسى أخو يوشع وكان صاحبا لموسى عليه السلام في هذا السفر.
والقول الثالث : روى عمرو بن عبيد عن الحسن في قوله : وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ قال يعني عبده، قال القفال واللغة تحتمل ذلك
روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال :«لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي»
وهذا يدل على أنهم كانوا يسمون العبد فتى والأمة فتاة.
المسألة الرابعة :
قيل إن موسى عليه السلام لما أعطي الألواح وكلمه اللّه تعالى قال : من الذي أفضل مني وأعلم؟ فقيل عبد للّه يسكن جزائر البحر وهو الخضر، وفي رواية أخرى أن موسى عليه السلام لما أوتي من العلم ما أوتي ظن أنه لا أحد مثله فأتاه جبريل عليه السلام وهو بساحل البحر قال : يا موسى انظر إلى هذا الطير الصغير يهوي إلى البحر يضرب بمنقاره فيه ثم يرتفع فأنت فيما أوتيت من العلم دون قدر ما يحمل هذا الطير بمنقاره من البحر،
قال الأصوليون : هذه الرواية ضعيفة لأن الأنبياء يجب أن يعلموا أن معلومات اللّه لا نهاية لها وأن يعلموا أن معلومات الخلق يجب كونها متناهية وكل قدر متناه فإن الزائد عليه ممكن فلا مرتبة من مراتب العلم إلا وفوقها مرتبة ولهذا قال تعالى : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ وإذا كانت هذه المقدمات معلومة فمن المستبعد جدا أن يقطع العاقل بأنه لا أحد أعلم مني «٢» لا سيما موسى عليه السلام مع علمه الوافر بحقائق الأشياء وشدة براءته عن الأخلاق الذميمة كالعجب والتيه والصلف. والرواية الثالثة :
قيل إن موسى / عليه السلام سأل ربه : أي عبادك أحب إليك؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني، قال فأي عبادك أقضى؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال : فأي عبادك أعلم؟ قال : الذي يبتغى علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردي، فقال موسى عليه السلام : إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، فقال : اعلم منك الخضر، قال فأين أطلبه؟ قال : على الساحل عند الصخرة. قال يا رب : كيف لي به؟ قال : تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك. فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان ورقد موسى واضطرب الحوت وطفر إلى البحر فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر فرجع من ذلك الموضع إلى الموضع الذي طفر الحوت فيه إلى البحر فإذا رجل مسجى بثوبه فسلم عليه موسى عليه السلام فقال : وأني بأرضك السلام! فعرفه نفسه، فقال : يا موسى أنا على علم علمني اللّه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمك اللّه لا أعلمه أنا، فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرفها فنقر في الماء فقال الخضر : ما ينقص علمي وعلمك من علم اللّه مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر
- أقول نسبة ذلك القدر القليل الذي أخذه ذلك

(١) قوله وحج خصمه يريد بخصمه فرعون وما ذكره اللّه تعالى في كتابه من الآيات في محاجة فرعون. هذا ولموسى عليه السلام محاجة مع آدم عليه السلام في الأكل من الشجرة ولكن كانت الحجة لآدم على موسى ولذلك
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«فحج آدم موسى».
(٢) يعني أنه لا يجرأ إنسان على ادعاء انتهاء العلم إليه إلا إذا سلب نعمة العقل، وكان الأنسب أن يقول (منه).


الصفحة التالية
Icon