مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٨١
الكلام عند قوله : وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ ثم قال بعده : عجبا والمقصود منه تعجبه من تلك العجيبة التي رآها ومن نسيانه لها وقيل إن قوله عجبا حكاية لتعجب موسى وهو ليس بقوله، ثم قال تعالى : قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ أي قال موسى ذلك الذي كنا نطلبه لأنه أمارة الظفر بالمطلوب وهو لقاء الخضر وقوله نبغ أصله نبغي فحذفت الياء طلبا للتخفيف لدلالة الكسرة عليه، وكان القياس أن لا يحذف لأنهم إنما يحذفون الياء في الأسماء وهذا فعل إلا أنه قد يجوز على ضعف القياس حذفها لأنها تحذف مع الساكن الذي يكون بعدها كقولك ما نبغي اليوم؟ فلما حذفت مع الساكن حذفت أيضا مع غير الساكن ثم قال فارتدا على آثارهما أي / فرجعا وقوله :
قَصَصاً فيه وجهان : أحدهما : أنه مصدر في موضع الحال أي رجعا على آثارهما مقتصين آثارهما. والثاني :
أن يكون مصدرا لقوله فارتدا على آثارهما، لأن معناه فاقتصا على آثارهما. وحاصل الكلام أنهما لما عرفا أنهما تجاوزا عن الموضع الذي يسكن فيه ذلك العالم رجعا وعادا إليه واللّه أعلم.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٥ إلى ٧٠]
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠)
[في قوله تعالى فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا فيه بحثان :
البحث الأول : قال الأكثرون إن ذلك العبد كان نبيا واحتجوا عليه بوجوه. الأول : أنه تعالى قال : آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا والرحمة هي النبوة بدليل قوله تعالى : أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف : ٣٢] وقوله :
وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [القصص : ٨٦] والمراد من هذه الرحمة النبوة، ولقائل أن يقول نسلم أن النبوة رحمة أما لا يلزم أن يكون كل رحمة نبوة.
الحجة الثانية : قوله تعالى : وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً وهذا يقتضي أنه تعالى علمه لا بواسطة تعليم معلم ولا إرشاد مرشد وكل من علمه اللّه لا بواسطة البشر وجب أن يكون نبيا يعلم الأمور بالوحي من اللّه. وهذا الاستدلال ضعيف لأن العلوم الضرورية تحصل ابتداء من عند اللّه وذلك لا يدل على النبوة.
الحجة الثالثة : أن موسى عليه السلام قال : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ [الكهف : ٦٦] والنبي لا يتبع غير النبي / في التعليم وهذا أيضا ضعيف، لأن النبي لا يتبع غير النبي في العلوم التي باعتبارها صار نبيا أما في غير تلك العلوم فلا.
الحجة الرابعة : أن ذلك العبد أظهر الترفع على موسى حيث قال له : وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً وأما موسى فإنه أظهر التواضع له حيث قال : لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً وكل ذلك يدل على أن ذلك العالم


الصفحة التالية
Icon