مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٩٩
يدل على أنهم لا يفهمون شيئا، بل يدل على أنهم قد يفهمون على مشقة وصعوبة. والقول الثاني : أن كاد معناه المقاربة، وعلى هذا القول فقوله : لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا أي لا يعلمون وليس لهم قرب من أن يفقهوا.
وعلى هذا القول فلا بد من إضمار، وهو أن يقال : لا يكادون يفهمونه إلا بعد تقريب ومشقة من إشارة ونحوها، وهذه الآية تصلح أن يحتج بها على صحة القول الأول في تفسير كاد.
البحث الرابع : في يأجوج ومأجوج قولان : الأول : أنهما اسمان أعجميان موضوعان بدليل منع الصرف.
والقول الثاني : أنهما مشتقان، وقرأ عاصم يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بالهمز. وقرأ الباقون يأجوج ومأجوج وقرئ في رواية آجوج ومأجوج والقائلون بكون هذين الاسمين مشتقين ذكروا وجوها. الأول : قال الكسائي : يأجوج مأخوذ من تأجج النار وتلهبها فلسرعتهم في الحركة سموا بذلك ومأجوج من موج البحر. الثاني : أن يأجوج مأخوذ من تأجج الملح وهو شدة ملوحته فلشدتهم في الحركة سموا بذلك. الثالث : قال القتيبي : هو مأخوذ من قولهم أج الظليم في مشيه يئج أجا إذا هرول وسمعت حفيفه في عدوه.
الرابع : قال الخليل : الأج حب كالعدس والمج مج الريق فيحتمل أن يكونا مأخوذين منهما واختلفوا في أنهما من أي الأقوام فقيل : إنهما من الترك، وقيل : يَأْجُوجَ من الترك وَمَأْجُوجَ من الجيل والديلم ثم من الناس من وصفهم بقصر القامة وصغر الجثة بكون طول أحدهم شبرا ومنهم من وصفهم بطول القامة وكبر الجثة وأثبتوا لهم مخاليب في / الأظفار وأضراسا كأضراس السباع واختلفوا في كيفية إفسادهم في الأرض فقيل : كانوا يقتلون الناس وقيل كانوا يأكلون لحوم الناس وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون لهم شيئا أخضر وبالجملة فلفظ الفساد محتمل لكل هذه الأقسام واللّه أعلم بمراده، ثم إنه تعالى حكى عن أهل ما بين السدين أنهم قالوا لذي القرنين : فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قرأ حمزة والكسائي خراجا والباقون خَرْجاً قيل : الخراج والخرج واحد، وقيل هما أمران متغايران، وعلى هذا القول اختلفوا : قيل : الخرج بغير ألف هو الجعل لأن الناس يخرج كل واحد منهم شيئا منه فيخرج هذا أشياء وهذا أشياء، والخراج هو الذي يجبيه السلطان كل سنة. وقال الفراء :
الخراج هو الإسم الأصلي والخرج كالمصدر وقال قطرب : الخرج الجزية والخراج في الأرض. فقال ذو القرنين : ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي أي ما جعلني مكينا من المال الكثير واليسار الواسع خير مما تبذلون من الخراج فلا حاجة بي إليه، وهو كما قال سليمان عليه السلام : فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ [النمل : ٣٦] قرأ ابن كثير :(ما مكنني) بنونين على الإظهار والباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام، ثم قال ذو القرنين :
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً أي لا حاجة لي في مالكم ولكن أعينوني برجال وآلة أبني بها السد، وقيل المعنى : أعينوني بمال أصرفه إلى هذا المهم ولا أطلب المال لآخذه لنفسي، والردم هو السد.
يقال : ردمت الباب أي سددته وردمت الثوب رقعته لأنه يسد الخرق بالرقعة والردم أكثر من السد من قولهم :
ثوب مردوم أي وضعت عليه رقاع.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٦ إلى ٩٨]
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)


الصفحة التالية
Icon