مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٠٧
جعله صيغة المصدر والماضي يكون التقدير هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة ربك.
المسألة الثانية : يحتمل أن يكون المراد من قوله رحمة ربك أعني عبده زكرياء ثم في كونه رحمة وجهان :
أحدهما : أن يكون رحمة على أمته لأنه هداهم إلى الإيمان والطاعات. والآخر : أن / يكون رحمة على نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلم وعلى أمة محمد لأن اللّه تعالى لما شرح لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم طريقه في الإخلاص والابتهال في جميع الأمور إلى اللّه تعالى صار ذلك لفظا داعيا له ولأمته إلى تلك الطريقة فكان زكرياء رحمة، ويحتمل أن يكون المراد أن هذه السورة فيها ذكر الرحمة التي رحم بها عبدة زكرياء.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣]
إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣)
راعى سنة اللّه في إخفاء دعوته لأن الجهر والإخفاء عند اللّه سيان فكان الإخفاء أولى لأنه أبعد عن الرياء وأدخل في الإخلاص. وثانيها : أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في زمان الشيخوخة. وثالثها : أسره من مواليه الذين خافهم. ورابعها : خفي صوته لضعفه وهرمه كما جاء في صفة الشيخ صوته خفات وسمعه تارات، فإن قيل من شرط النداء الجهر فكيف الجمع بين كونه نداء وخفيا، والجواب من وجهين : الأول : أنه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت إلا أن الصوت كان ضعيفا لنهاية الضعف بسبب الكبر فكان نداء نظرا إلى قصده وخفيا نظرا إلى الواقع. الثاني : أنه دعا في الصلاة لأن اللّه تعالى أجابه في الصلاة لقوله تعالى : فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى [آل عمران : ٣٩] فكون الإجابة في الصلاة يدل على كون الدعاء في الصلاة فوجب أن يكون النداء فيها خفيا.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٤ إلى ٦]
قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)
القراءة فيها مسائل :
المسألة الأولى : قرئ وَهَنَ بالحركات الثلاث.
المسألة الثانية : إدغام السين في الشين [من الرأس شيبا] عن أبي عمرو.
المسألة الثالثة : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ بفتح الياء وعن الزهري بإسكان الياء من الموالي وقرأ عثمان وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وسعيد بن جبير وزيد بن ثابت وابن عباس خفت بفتح الخاء والفاء مشددة وكسر التاء وهذا يدل على معنيين : أحدهما : أن يكون ورائي بمعنى بعدي والمعنى / أنهم قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعده فسأل ربه تقويتهم بولي يرزقه. والثاني : أن يكون بمعنى قدامي والمعنى أنهم خفوا قدامه ودرجوا ولم يبق من به تقو واعتضاد.
المسألة الرابعة : القراءة المعروفة : مِنْ وَرائِي بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة وعن حميد بن مقسم كذلك لكن بفتح الياء وقرأ ابن كثير وراي كعصاي.
المسألة الخامسة : من يرثني ويرث وجوه : أحدها : القراءة المعروفة بالرفع فيهما صفة. وثانيها : وهي