مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٢٦
المسألة الخامسة : قَصِيًّا أي بعيدا من أهلها، يقال مكان قاص، وقصي بمعنى واحد مثل عاص وعصي، ثم اختلفوا فقيل : أقصى الدار، وقيل وراء الجبل، وقيل : سافرت مع ابن عمها يوسف وقد تقدمت هذه الحكاية.
المسألة السادسة : قال صاحب «الكشاف» : أجاء منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء فإنك لا تقول جئت المكان، وأجاءنيه زيد كما تقول بلغنيه وأبلغته، والمعنى أن طلقها ألجأها إلى جذع النخلة ثم يحتمل أنها إنما ذهبت إلى النخلة طلبا لسهولة الولادة / للتشبث بها. ويحتمل للتقوية والاستناد إليها، ويحتمل للتستر بها ممن يخشى منه القالة إذا رآها، ولذلك حكى اللّه عنها أنها تمنت الموت.
المسألة السابعة : قال في «الكشاف» قرأ ابن كثير في رواية المخاض بالكسر يقال مخضت الحامل مخاضا ومخاضا وهو تمخض الولد في بطنها.
المسألة الثامنة : قال في «الكشاف» كان جذع نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة، وكان الوقت شتاء والتعريف إما أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة كتعريف النجم والصعق كأن تلك الصحراء كان فيها جذع نخلة مشهور عند الناس، فإذا قيل : جذع النخلة فهم منه ذلك دون سائره وإما أن يكون تعريف الجنس أي إلى جذع هذه الشجرة خاصة كان اللّه أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو أشد الأشياء موافقة للنفساء، ولأن النخلة أقل الأشياء صبرا على البرد ولا تثمر إلا عند اللقاح، وإذا قطعت رأسها لم تثمر، فكأنه تعالى قال كما أن الأنثى لا تلد إلا مع الذكر فكذا النخلة لا تثمر إلا عند اللقاح، ثم إني أظهر الرطب من غير اللقاح ليدل ذلك على جواز ظهور الولد من غير ذكر.
المسألة التاسعة : لم قالت : يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا مع أنها كانت تعلم أن اللّه تعالى بعث جبريل إليها وخلق ولدها من نفخ جبريل عليه السلام ووعدها بأن يجعلها وابنها آية للعالمين، والجواب من وجهين : الأول :
قال وهب : أنساها كربة الغربة وما سمعته من الناس [من ] بشارة الملائكة بعيسى عليه السلام. الثاني : أن عادة الصالحين إذا وقعوا في بلاء أن يقولوا ذلك. وروي عن أبي بكر أنه نظر إلى طائر على شجرة فقال : طوبي لك يا طائر تقع على الشجرة وتأكل من الثمر! وددت أني ثمرة ينقرها الطائر! وعن عمر أنه أخذ تبنة من الأرض وقال : ليتني هذه التبنة يا ليتني لم أك شيئا! وقال علي يوم الجمل : يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة،
وعن بلال : ليت بلال لم تلده أمه. فثبت أن هذا الكلام يذكره الصالحون عند اشتداد الأمر عليهم. الثالث :
لعلها قالت ذلك لكي لا تقع المعصية ممن يتكلم فيها، وإلا فهي راضية بما بشرت به.
المسألة العاشرة : قال صاحب «الكشاف» النسي ما من حقه أن يطرح وينسى كخرقة الطمث ونحوها كالذبح اسم ما من شأنه أن يذبح كقوله : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات : ١٠٧] تمنت لو كانت شيئا تافها لا يؤبه به ومن حقه أن ينسى في العادة وقرأ ابن وثاب والأعمش وحمزة نسيا بالفتح والباقون نسيا بالكسر قال الفراء : هما لغتان كالوتر والوتر والجسر والجسر، وقرأ محمد بن كعب القرظي نسيئا بالهمزة وهو الحليب المخلوط بالماء ينساه أهله لقلته وقرأ الأعمش منسيا بالكسر على الإتباع كالمغير والمنخر واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon