مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٣٨
فهو يحتمل أمرين : أحدهما : أن ثبوت الولد له محال فقولنا : ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ كقوله ما كان للّه أن يقول لأحد إنه ولدي لأن هذا الخبر كذب والكذب لا يليق بحكمة اللّه تعالى وكماله فقوله : ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ كقولنا : ما كان للّه أن يظلم أي لا يليق ذلك بحكمته وكمال إلهيته، واحتج الجبائي بالآية بناء على هذا التفسير أنه ليس للّه أن يفعل كل شيء لأنه تعالى صرح بأنه ليس له هذا الإيجاد أي ليس له هذا الاختيار وأجاب أصحابنا عنه بأنه الكذب محال على اللّه تعالى فلا جرم قال : ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ أما قوله : سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ففيه مسائل :
المسألة الأولى أنه تعالى لما قال سُبْحانَهُ ثم قال عقيبه : إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ كان كالحجة على تنزيهه عن الولد وبيان ذلك أن الذي يجعل ولدا للّه، إما أن يكون / قديما أزليا أو يكون محدثا فإن كان أزليا فهو محال لأنه لو كان واجبا لذاته لكان واجب الوجود أكثر من واحد. هذا خلف. وإن كان ممكنا لذاته كان مفتقرا في وجوده إلى الواجب لذاته غنيا لذاته فيكون الممكن محتاجا لذاته فيكون عبدا له لأنه لا معنى للعبودية إلا ذلك، وأما إن كان الذي يجعل ولدا يكون محدثا فيكون وجوده بعد عدمه بخلق ذلك القديم وإيجاده وهو المراد من قوله : إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فيكون عبدا له لا ولدا له فثبت أنه يستحيل أن يكون للّه ولد.
المسألة الثانية : احتج الأصحاب بقوله : إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ على قدم كلام اللّه تعالى قالوا : لأن الآية تدل على أنه تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له : كن فيكون فلو كان قوله كن محدثا لافتقر حدوثه إلى قول آخر ولزم التسلسل وهو محال، فثبت أن قول اللّه قديم لا محدث، واحتج المعتزلة بالآية على حدوث كلام اللّه تعالى من وجوه : أحدها : أنه تعالى أدخل عليه كلمة إذا وهذه الكلمة دالة على الاستقبال فوجب أن لا يحصل القول إلا في الاستقبال. وثانيها : أن حرف الفاء للتعقيب والفاء في قوله : فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ يدل على تأخر ذلك القول عن ذلك القضاء والمتأخر عن غيره محدث. وثالثها : الفاء في قوله : فَيَكُونُ يدل على حصول ذلك الشيء عقيب ذلك القول من غير فصل فيكون قول اللّه متقدما على حدوث الحادث تقدما بلا فصل والمتقدم على المحدث تقدما بلا فصل يكون محدثا، فقول اللّه محدث. واعلم أن استدلال الفريقين ضعيف، أما استدلال الأصحاب فلأنه يقتضي أن يكون قوله : كُنْ قديما وذلك باطل بالاتفاق، وأما استدلال المعتزلة فلأنه يقتضي أن يكون قول اللّه تعالى هو المركب من الحروف والأصوات وهو محدث وذلك لا نزاع فيه إنما المدعي قدم شيء آخر.
المسألة الثالثة : من الناس من أجرى الآية على ظاهرها فزعم أنه تعالى إذا أحدث شيئا قال له كن وهذا ضعيف لأنه، إما أن يقول له كن قبل حدوثه أو حال حدوثه. فإن كان الأول كان ذلك خطابا مع المعدوم وهو عبث وإن كان الثاني فهو حال حدوثه قد وجد بالقدرة والإرادة فأي تأثير لقوله كن فيه، ومن الناس من زعم أن المراد من قوله : كُنْ هو التخليق والتكوين وذلك لأن القدرة على الشيء غير وتكوين الشيء غير فإن اللّه سبحانه قادر في الأزل وغير مكون في الأزل، ولأنه الآن قادر على عوالم سوى هذا العالم وغير مكون لها، والقادرية غير المكونية والتكوين ليس هو نفس المكون لأنا نقول المكون إنما حدث لأن اللّه تعالى كونه فأوجده، فلو كان التكوين نفس المكون لكان قولنا المكون إنما وجد بتكوين اللّه تعالى نازلا منزلة قولنا المكون


الصفحة التالية
Icon