مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٤٩
ويقال في الملائكة عليهم السلام إنهم مقربون وأما نَجِيًّا فقيل فيه أنجيناه من أعدائه وقيل هو من المناجاة في المخاطبة وهو أولى. وخامسها : قوله : وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : كان هارون عليه السلام أكبر من موسى عليهما السلام، وإنما وهب اللّه له نبوته لا شخصه وأخوته وذلك إجابة لدعائه في قوله : وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [طه : ٢٩- ٣٢] فأجابه اللّه تعالى إليه بقوله : قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى [طه : ٣٦] وقوله : سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [القصص : ٣٥].
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٤ إلى ٥٥]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥)
(القصة الخامسة قصة إسماعيل عليه السلام) اعلم أن إسماعيل هذا هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، واعلم أن اللّه تعالى وصف إسماعيل عليه السلام بأشياء : أولها : قوله : إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وهذا الوعد يمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين اللّه تعالى ويمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين الناس. أما الأول : فهو أن يكون المراد أنه كان لا يخالف شيئا مما يؤمر به من طاعة ربه وذلك لأن اللّه تعالى إذا أرسل الملك إلى الأنبياء وأمرهم بتأدية الشرع فلا بد من ظهور وعد منهم يقتضي القيام بذلك ويدل على القيام بسائر ما يخصه من العبادة. وأما الثاني : فهو أنه عليه السلام كان إذا وعد الناس بشيء أنجز وعده فاللّه تعالى وصفه بهذا الخلق الشريف وروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه وعد صاحبا له أن ينتظره في مكان فانتظره سنة،
وأيضا وعد من نفسه الصبر على الذبح فوفى به حيث قال :
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات : ١٠٢] ويروى أن عيسى عليه السلام قال له رجل : انتظرني حتى آتيك فقال عيسى عليه السلام : نعم وانطلق الرجل ونسي الميعاد فجاء لحاجة إلى ذلك المكان وعيسى عليه السلام هنالك للميعاد،
وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«أنه واعد رجلا ونسي ذلك الرجل فانتظره من الضحى إلى قريب من غروب الشمس».
وسئل الشعبي عن الرجل يعد ميعادا إلى أي وقت ينتظره فقال : إن واعده نهارا فكل النهار وإن واعده ليلا فكل الليل، وسئل إبراهيم بن زيد عن ذلك فقال : إذا واعدته في وقت الصلاة فانتظره إلى وقت صلاة أخرى. وثانيها : قوله : وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا وقد مر تفسيره. وثالثها : قوله : وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ والأقرب في الأهل أن المراد به من يلزمه أن يؤدي إليه الشرع فيدخل فيه كل أمته من حيث لزمه في جميعهم ما يلزم المرء في أهله خاصة، هذا إذا حمل الأمر على المفروض من الصلاة والزكاة فإن حمل على الندب فيهما كان المراد أنه كما كان يتهجد بالليل يأمر أهله أي من كان في داره في ذلك الوقت بذلك وكان نظره لهم في الدين يغلب على شفقته عليهم في الدنيا بخلاف ما عليه أكثر الناس، وقيل : كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح و« «العبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم كما قال تعالى : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء : ٢١٤] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [طه : ١٣٢] قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم : ٦] وأيضا فهم أحق أن يتصدق عليهم فوجب أن يكونوا بالإحسان الديني أولى، فأما الزكاة فعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنها طاعة


الصفحة التالية
Icon