مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٢٥
تسوى الجبابرة سقوفهم وفرشهم للهو واللعب، وإنما سويناهم لفوائد دينية ودنيوية أما الدينية فليتفكر المتفكرون فيها على ما قال تعالى : وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران : ١٩١] وأما الدنيوية فلما يتعلق بها من المنافع التي لا تعد ولا تحصى وهذا كقوله : وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا [ص : ٢٧] وقوله : ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الدخان : ٣٩]. والثاني : أن الغرض منه تقرير نبوة محمد صلى اللَّه عليه وسلم والرد على منكريه لأنه أظهر المعجزة عليه فإن كان محمد كاذبا كان إظهار المعجزة عليه من باب اللعب وذلك منفي عنه وإن كان صادقا فهو المطلوب وحينئذ يفسد كل ما ذكروه من المطاعن.
المسألة الثانية : قال القاضي عبد الجبار : دلت الآية على أن اللعب ليس من قبله تعالى إذ لو كان كذلك لكان لاعبا فإن اللاعب في اللغة اسم لفاعل اللعب فنفى الاسم الموضوع للفعل يقتضي نفي الفعل. والجواب :
يبطل ذلك بمسألة الداعي عن ما مر غيره مرة أما قوله : لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ فاعلم أن قوله : لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا معناه من جهة قدرتنا. وقيل : اللهو الولد بلغة اليمن وقيل المرأة وقيل من لدنا أي من الملائكة لا من الإنس ردا لمن قال بولادة المسيح وعزير فأما قوله تعالى : بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فاعلم أن قوله : بَلْ / اضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو واللعب بل من عادتنا وموجب حكمتنا أن نغلب بالجد وندحض الباطل بالحق، واستعار لذلك القذف والدمغ تصويرا لإبطاله فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة مثلا قذف به على جرم رخو فدمغه، فأما قوله تعالى : وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ يعني من تمسك بتكذيب الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ونسب القرآن إلى أنه سحر وأضغاث أحلام إلى غير ذلك من الأباطيل، وهو الذي عناه بقوله : مِمَّا تَصِفُونَ.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٩ إلى ٢٠]
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان. الأول : أنه تعالى لما نفى اللعب عن نفسه ونفي اللعب لا يصح إلا بنفي الحاجة ونفي الحاجة لا يصح إلا بالقدرة التامة، لا جرم عقب تلك الآية بقوله : وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لدلالة ذلك على كمال الملك والقدرة. الثاني : وهو الأقرب أنه تعالى لما حكى كلام الطاعنين في النبوات وأجاب عنها وبين أن غرضهم من تلك المطاعن التمرد وعدم الانقياد بين في هذه الآية أنه تعالى منزه عن طاعتهم لأنه هو المالك لجميع المحدثات والمخلوقات، ولأجل أن الملائكة مع جلالتهم مطيعون له خائفون منه فالبشر مع نهاية الضعف أولى أن يطيعوه.
المسألة الثانية : قوله : وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ معناه أن كل المكلفين في السماء والأرض فهم عبيده وهو الخالق لهم والمنعم عليهم بأصناف النعم، فيجب على الكل طاعته والانقياد لحكمه.
المسألة الثالثة : دلالة قوله : وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ على أن الملك أفضل من البشر من ثلاثة أوجه قد تقدم بيانها في سورة البقرة.
المسألة الرابعة : قوله : وَمَنْ عِنْدَهُ المراد بهم الملائكة بإجماع الأمة ولأنه تعالى وصفهم بأنهم :


الصفحة التالية
Icon