مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٣٩
المسألة الثانية : الرواسي الجبال، والراسي هو الداخل في الأرض.
المسألة الثالثة : قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما : إن الأرض بسطت على الماء فكانت تنكفئ بأهلها كما تنكفئ السفينة، لأنها بسطت على الماء فأرساها اللَّه تعالى بالجبال الثقال.
النوع الرابع : قوله تعالى : وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب الكشاف : الفج الطريق الواسع، فإن قلت في الفجاج معنى الوصف فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كما في قوله تعالى : لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً قلت لم تقدم وهي صفة، ولكنها جعلت حالا كقوله :
لعزة موحشا طلل قديم
والفرق من جهة المعنى أن قوله سبلا فجاجا، إعلام بأنه سبحانه جعل فيها طرقا واسعة، وأما قوله :
فِجاجاً سُبُلًا فهو إعلام بأنه سبحانه حين خلقها جعلها على تلك الصفة، فهذه الآية بيان لما أبهم في الآية الأولى.
المسألة الثانية : في قوله : فِيها قولان : أحدهما أنها عائدة إلى الجبال، أي وجعلنا في الجبال التي هي رواسي فجاجا سبلا، أي طرقا واسعة وهو قول مقاتل والضحاك ورواية عطاء عن ابن عباس وعن ابن عمر قال كانت الجبال منضمة فلما أغرق اللَّه قوم نوح فرقها فجاجا وجعل فيها طرقا. الثاني :/ أنها عائدة إلى الأرض، أي وجعلنا في الأرض فجاجا وهي المسالك والطرق وهو قول الكلبي.
المسألة الثالثة : قوله : لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ معناه لكي يهتدوا إذ الشك لا يجوز على اللَّه تعالى.
المسألة الرابعة : في يهتدون قولان : الأول : ليهتدوا إلى البلاد. والثاني : ليهتدوا إلى وحدانية اللَّه تعالى بالاستدلال، قالت المعتزلة وهذا التأويل يدل على أنه تعالى أراد من جميع المكلفين الاهتداء. والكلام عليه قد تقدم، وفيه قول ثالث وهو أن الاهتداء إلى البلاد والاهتداء إلى وحدانية اللَّه تعالى يشتركان في مفهوم واحد وهو أصل الاهتداء فيحمل اللفظ على ذلك المشترك وحينئذ تكون الآية متناولة للأمرين ولا يلزم منه كون اللفظ المشترك مستعملا في مفهوميه معا.
النوع الخامس : قوله تعالى : وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : سمى السماء سقفا لأنها للأرض كالسقف للبيت.
المسألة الثانية : في المحفوظ قولان : أحدهما : أنه محفوظ من الوقوع والسقوط اللذين يجري مثلهما على سائر السقوف كقوله : وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج : ٦٥] وقال : وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم : ٢٥] وقال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر : ٤١] وقال : وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة : ٢٥٥]. الثاني : محفوظا من الشياطين قال تعالى : وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ [الحجر : ١٧] ثم هاهنا قولان : أحدهما : أنه محفوظ بالملائكة من الشياطين. والثاني : أنه محفوظ بالنجوم من الشياطين، والقول الأول أقوى لأن حمل الآيات عليه مما يزيد هذه النعمة عظما لأنه