مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٤٧
المسألة الثالثة : إنما ذكر الليل والنهار لأن لكل واحد من الوقتين آفات تختص به والمعنى من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معايشكم.
أما قوله : بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ فالمعنى أنه تعالى مع إنعامه عليهم ليلا ونهارا بالحفظ والحراسة فهم عن ذكر ربهم الذي هو الدلائل العقلية والنقلية ولطائف القرآن معرضون فلا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالئ لهم سواه ويتركون عبادة الأصنام التي لا حظ لها في حفظهم ولا في الإنعام عليهم.
أما قوله تعالى : أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ فاعلم أن الميم صلة يعني ألهم آلهة تكلؤهم من دوننا، والتقدير ألهم آلهة من تمنعهم. وتم الكلام ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال : لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وهذا خبر مبتدأ محذوف أي فهذه الآلهة لا تستطيع حماية أنفسها عن الآفات، وحماية النفس أولى من حماية الغير. فإذا لم تقدر على حماية نفسها فكيف تقدر على حماية غيرها، وفي قوله : وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قولان : الأول : قال المازني : أصحبت الرجل إذا منعته فقوله :
وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ من ذلك لا من الصحبة. الثاني : أن الصحبة هاهنا بمعنى النصرة والمعونة وكلها سواء في المعنى يقال : صحبك اللَّه ونصرك اللَّه ويقال للمسافر : في صحبة اللَّه وفي حفظ اللَّه فالمعنى ولا هم منا في نصرة ولا إعانة، والحاصل أن من لا يكون قادرا على دفع الآفات ولا يكون مصحوبا من اللَّه بالإعانة، كيف يقدر على شيء ثم بين سبحانه تفضله عليهم مع كل ذلك بقوله : بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ يعني ما حملهم على الإعراض إلا الاغترار بطول المهلة. يعني طالت أعمارهم في الغفلة فنسوا عهدنا وجهلوا موقع مواقع نعمتنا واغتروا بذلك.
أما قوله تعالى : أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها فالمعنى أفلا يرى هؤلاء المشركون باللَّه المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في إتيان الأرض من جوانبها نأخذ الواحد بعد الواحد بعد الواحد ونفتح البلاد والقرى مما حول مكة ونزيدها في ملك محمد صلى اللَّه عليه وسلم ونميت رؤساء المشركين الممتعين بالدنيا / وننقص من الشرك بإهلاك أهله أما كان لهم في ذلك عبرة فيؤمنوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويعلموا أنهم لا يقدرون على الامتناع من اللَّه وإرادته فيهم ولا يقدرون على مغالبته ثم قال : أَفَهُمُ الْغالِبُونَ أي فهؤلاء هم الغالبون أم نحن وهو استفهام بمعنى التقرير والتقريع والمعنى بل نحن الغالبون وهم المغلوبون وقد مضى الكلام في هذه الآية في سورة الرعد. وفي تفسير النقصان وجوه : أحدها : قال ابن عباس ومقاتل والكلبي رضي اللَّه عنهم ننقصها بفتح البلدان. وثانيها : قال ابن عباس في رواية أخرى يريد نقصان أهلها وبركتها. وثالثها : قال عكرمة : تخريب القرى عند موت أهلها.
ورابعها : بموت العلماء وهذه الرواية إن صحت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلا يعدل عنها وإلا فالأظهر من الأقاويل ما يتعلق بالغلبة فلذلك قال : أَفَهُمُ الْغالِبُونَ والذي يليق بذلك أنه ينقصها عنهم ويزيدها في بلاد الإسلام، قال القفال : نزلت هذه الآية في كفار مكة فكيف يدخل فيها العلماء والفقهاء فبين تعالى أن كل ذلك من العبر التي لو استعملوا عقلهم فيها لأعرضوا عن جهلهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٥ إلى ٤٧]
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)