مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٦٤
المسألة الثانية : أكثر المفسرين على أن الحرث هو الزرع، وقال بعضهم : هو الكرم والأول أشبه بالعرف.
المسألة الثالثة : احتج من قال : أقل الجمع اثنان بقوله تعالى : وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ مع أن المراد داود وسليمان. جوابه : أن الحكم كما يضاف إلى الحاكم فقد يضاف إلى المحكوم له، فإذا أضيف الحكم إلى المتحاكمين كان المجموع أكثر من الإثنين، وقرئ وكنا لحكمهما شاهدين.
المسألة الرابعة : في كيفية القصة وجهان. الأول :
قال أكثر المفسرين : دخل رجلان على داود عليه السلام، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا دخلت حرثي وما أبقت منه شيئا، فقال داود عليه السلام : اذهب فإن الغنم لك. فخرجا فمرا على سليمان، فقال : كيف قضى بينكما؟
فأخبراه : فقال : لو كنت أنا القاضي لقضيت بغير هذا. فأخبر بذلك داود عليه السلام فدعاه وقال : كيف كنت تقضي بينهما، فقال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث فيكون له منافعها من الدر والنسل والوبر حتى إذا كان الحرث من العام المستقبل كهيئته يوم أكل دفعت الغنم إلى أهلها وقبض صاحب الحرث حرثه.
الثاني :
قال ابن مسعود وشريح ومقاتل رحمهم اللَّه : أن راعيا نزل ذات ليلة بجنب كرم، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان وأفسدت الكرم، فذهب صاحب الكرم من الغد إلى داود عليه السلام فقضى له بالغنم لأنه لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الغنم تفاوت، فخرجوا ومروا بسليمان فقال لهم : كيف قضى بينكما؟ فأخبراه به، فقال غير هذا أرفق بالفريقين، فأخبر داود عليه السلام بذلك فدعا سليمان وقال له : بحق الأبوة والنبوة إلا أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، فقال : تسلم الغنم إلى صاحب الكرم حتى يرتفق بمنافعها ويعمل الراعي في إصلاح الكرم حتى يصير كما كان، ثم ترد الغنم إلى صاحبها، فقال داود عليه السلام : إنما القضاء ما قضيت وحكم بذلك.
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما : حكم سليمان بذلك وهو ابن إحدى عشرة سنة، وهاهنا أمور ولا بد من البحث عنها.
السؤال الأول : هل في الآية دلالة على أنهما عليهما السلام اختلفا في الحكم أم لا؟ فإن أبا بكر الأصم قال : إنهما لم يختلفا ألبتة، وأنه تعالى بين لهما الحكم لكنه بينه على لسان سليمان عليه السلام. الجواب :
الصواب أنهما اختلفا والدليل إجماع الصحابة والتابعين رضي اللَّه عنهم على / ما رويناه، وأيضا فقد قال اللَّه تعالى : وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ ثم قال : فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ والفاء للتعقيب فوجب أن يكون ذلك الحكم سابقا على هذا التفهيم، وذلك الحكم السابق إما أن يقال : اتفقا فيه أو اختلفا فيه، فإن اتفقا فيه لم يبق لقوله :
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ فائدة وإن اختلفا فيه فذلك هو المطلوب.
السؤال الثاني : سلمنا أنهما اختلفا في الحكم ولكن هل كان الحكمان صادرين عن النص أو عن الاجتهاد. الجواب : الأمران جائزان عندنا وزعم الجبائي أنهما كانا صادرين عن النص، ثم إنه تارة يبني ذلك على أن الاجتهاد غير جائز من الأنبياء، وأخرى على أن الاجتهاد وإن كان جائزا منهم في الجملة، ولكنه غير جائز في هذه المسألة.
أما المأخذ الأول : فقد تكلمنا فيه في الجملة في كتابنا المسمى بالمحصول في الأصول ولنذكر هاهنا أصول الكلام من الطرفين احتج الجبائي على أن الاجتهاد غير جائز من الأنبياء عليهم السلام بأمور : أحدها :