مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٨١
مناسبة فلا يبعد جعل أحدهما مجازا عن الآخر. وخامسها : أنه استفهام بمعنى التوبيخ معناه أفظن أن لن نقدر عليه عن ابن زيد. وسادسها : أن على قول من يقول هذه الواقعة كانت قبل رسالة يونس عليه السلام كان هذا الظن حاصلا قبل الرسالة، ولا يبعد في حق غير الأنبياء والرسل أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان. ثم إنه يرده بالحجة والبرهان. والجواب عن الثالث : وهو التمسك بقوله : إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فهو أن نقول إنا لو حملناه على ما قبل النبوة فلا كلام، ولو حملناه على ما بعدها فهي واجبة التأويل لأنا لو أجريناها على ظاهرها، لوجب القول بكون النبي مستحقا للعن، وهذا لا يقوله مسلم، وإذا وجب التأويل فنقول لا شك أنه كان تاركا للأفضل مع القدرة على تحصيل الأفضل فكان ذلك ظلما والجواب عن الرابع : أنا لا نسلم أن ذلك كان عقوبة إذ الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، بل المراد به المحنة، لكن كثير من المفسرين يذكرون في كل مضرة تفعل / لأجل ذنب أنها عقوبة. والجواب عن الخامس : أن الملامة كانت بسبب ترك الأفضل.
المسألة الرابعة : قال صاحب «الكشاف» في الظلمات أي في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقوله تعالى : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ [البقرة : ١٧] وقوله : يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ [البقرة : ٢٥٧] ومنهم من اعتبر أنواعا مختلفة من الظلمات فإن كان النداء في الليل فهناك ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت، وإن كان في النهار أضيف إليه ظلمة أمعاء الحوت، أو أن حوتا ابتلع الحوت الذي هو في بطنه، أو لأن الحوت إذا عظم غوصه في قعر البحر كان ما فوقه من البحر ظلمة في ظلمة، أما قول من قال :
إن الحوت الذي ابتلعه غاص في الأرض السابعة فإن ثبت ذلك بخبر فلا كلام، وإن قيل بذلك لكي يقع نداؤه في الظلمات فما قدمناه يغني عن ذلك.
أما قوله : أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ فالمعنى بأنه لا إله إلا أنت، أو بمعنى أي،
عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال :«ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له»
وعن الحسن : ما نجاه اللَّه تعالى إلا بإقراره عن نفسه بالظلم.
أما قوله سبحانك فهو تنزيه عن كل النقائص ومنها العجز، وهذا يدل على أنه ما كان مراده من قوله :
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أنه ظن العجز، وإنما قال : سُبْحانَكَ لأن تقديره سبحانك أن تفعل ذلك جورا أو شهوة للانتقام، أو عجزا عن تخليصي عن هذا الحبس، بل فعلته بحق الإلهية وبمقتضى الحكمة.
أما قوله : إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فالمعنى ظلمت نفسي بفراري من قومي بغير إذنك، كأنه قال : كنت من الظالمين، وأنا الآن من التائبين النادمين، فاكشف عني المحنة، يدل عليه قوله : فَاسْتَجَبْنا لَهُ وفيه وجه آخر وهو أنه عليه السلام وصفة بقوله : لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ بكمال الربوبية ووصف نفسه بقوله : إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ بضعف البشرية والقصور في أداء حق الربوبية، وهذا القدر يكفي في السؤال على ما قال المتنبي :
وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي كلام عندها وخطاب
وروى عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال :«لما أراد اللَّه حبس يونس عليه السلام، أوحى إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما، ولا تكسر له عظما» فأخذه وهوى به إلى أسفل البحر، فسمع يونس عليه السلام حسا، فقال في نفسه : ما هذا؟ فأوحى اللَّه إليه هذا تسبيح دواب البحر، قال فسبح، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا مثله.