مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢١٠
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٤ إلى ١٦]
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)
اعلم أنه سبحانه لما بين في الآية السابقة حال عبادة المنافقين وحال معبودهم، بين في هذه الآية صفة عبادة المؤمنين وصفة معبودهم، أما عبادتهم فقد كانت على الطريق الذي لا يمكن صوابه، وأما معبودهم فلا يضر ولا ينفع. وأما المؤمنون فعبادتهم حقيقية ومعبودهم يعطيهم أعظم المنافع وهو الجنة، ثم بين كمال الجنة التي تجمع بين الزرع والشجر وأن تجري من تحتها الأنهار وبين تعالى أنه يفعل ما يريد بهم من أنواع الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال تعالى : فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [النساء : ١٧٣] واحتج أصحابنا في خلق الأفعال بقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ قالوا : أجمعنا على أنه سبحانه يريد الإيمان ولفظة (ما) للعموم فوجب أن يكون فاعلا للإيمان لقوله : إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ أجاب الكعبي عنه بأن اللَّه تعالى يفعل ما يريد أن يفعله لا ما يريد أن يفعله غيره. والجواب : أن قوله ما يُرِيدُ أعم من قولنا ما يريد أن يفعله ومن قولنا ما يريد أن يفعله غيره فالتقييد خلاف النص.
أما قوله : مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فالهاء إلى ماذا يرجع؟ فيه وجهان : الأول :
وهو قول ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي، واختيار الفراء والزجاج أنه يرجع إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلم يريد أن من ظن أن لن ينصر اللَّه محمدا صلى اللَّه عليه وسلم في الدنيا بإعلاء كلمته / وإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء درجته والانتقام ممن كذبه والرسول صلى اللَّه عليه وسلم وإن لم يجر له ذكر في الآية ففيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله : إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا والإيمان لا يتم إلا باللَّه ورسوله فيجب البحث هاهنا عن أمرين : أحدهما : أنه من الذي كان يظن أن اللَّه تعالى لا ينصر محمدا صلى اللَّه عليه وسلم؟ والثاني : أنه ما معنى قوله : فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ؟.
أما البحث الأول : فذكروا فيه وجوها : أحدها : كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد اللَّه رسوله من النصر فنزلت هذه الآية. وثانيها : قال مقاتل : نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا نخاف أن اللَّه لا ينصر محمدا فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا. وثالثها : أن حساده وأعداءه كانوا يتوقعون أن لا ينصره اللَّه وأن لا يعليه على أعدائه، فمتى شاهدوا أن اللَّه نصره غاظهم ذلك.
وأما البحث الثاني : فاعلم أن في لفظ السبب قولين : أحدهما : أنه الحبل وهؤلاء اختلفوا في السماء فمنهم من قال هو سماء البيت، ومنهم من قال هو السماء في الحقيقة، فقالوا المعنى : من كان يظن أن لن ينصره اللَّه، ثم يغيظه أنه لا يظفر بمطلوبه فليستقص وسعه في إزالة ما يغيظه بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ


الصفحة التالية
Icon