مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢١٥
المسألة الثانية : ذكروا في تفسير الخصمين وجوها : أحدها : المراد طائفة المؤمنين وجماعتهم وطائفة الكفار وجماعتهم وأن كل الكفار يدخلون في ذلك، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما يرجع إلى أهل الأديان الستة فِي رَبِّهِمْ أي في ذاته وصفاته وثانيها :
روى أن أهل الكتاب قالوا نحن أحق باللَّه وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون نحن أحق باللَّه آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل اللَّه من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا،
فهذه خصومتهم في ربهم وثالثها :
روى قيس بن عبادة عن أبي ذر الغفاري رحمه اللَّه أنه كان يحلف باللَّه أن هذه الآية نزلت في ستة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة،
وقال علي عليه السلام أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي اللَّه تعالى يوم القيامة.
ورابعها : قال عكرمة : هما الجنة والنار قالت النار خلقني اللَّه لعقوبته. وقالت الجنة خلقني اللَّه لرحمته فقص اللَّه من خبرهما على محمد صلى اللَّه عليه وسلم ذلك، والأقرب هو الأول لأن السبب وإن كان خاصا فالواجب حمل الكلام على ظاهره / قوله : هذانِ كالإشارة إلى من تقدم ذكره وهم أهل الأديان الستة، وأيضا ذكر صنفين أهل طاعته وأهل معصيته ممن حق عليه العذاب، فوجب أن يكون رجوع ذلك إليهما، فمن خص به مشركي العرب أو اليهود من حيث قالوا في كتابهم ونبيهم ما حكيناه فقد أخطأ، وهذا هو الذي يدل عليه قوله : إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ [الحج : ١٧] أراد به الحكم لأن ذكر التخاصم يقتضي الواقع بعده يكون حكما فبين اللَّه تعالى حكمه في الكفار، وذكر من أحوالهم أمورا ثلاثة : أحدها : قوله : قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ والمراد بالثياب إحاطة النار بهم كقوله : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الأعراف : ٤١] عن أنس، وقال سعيد بن جبير من نحاس أذيب بالنار أخذا من قوله تعالى : سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [إبراهيم : ٥] وأخرج الكلام بلفظ الماضي كقوله تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الكهف : ٩٩]، وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق : ٢١] لأن ما كان من أمر الآخرة فهو كالواقع. وثانيها : قوله : يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يصهر به ما في بطونهم والجلود، الحميم الماء الحار، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما لو سقطت منه قطرة على جبال الدنيا لأذابتها، (يصهر) أي يذاب أي إذا صب الحميم على رؤوسهم كان تأثيره في الباطن نحو تأثيره في الظاهر فيذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم وهو أبلغ من قوله : وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [محمد : ١٥]. وثالثها :
قوله : وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ المقامع السياط وفي الحديث «لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها»
وأما قوله : كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها فاعلم أن الإعادة لا تكون إلا بعد الخروج والمعنى كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فيها، ومعنى الخروج ما يروى عن الحسن أن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقاطع فهووا فيها سبعين خريفا وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق، والحريق الغليظ من النار العظيم الإهلاك، ثم إنه سبحانه ذكر حكمه في المؤمنين من أربعة أوجه : أحدها : المسكن، وهو قوله : إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، وثانيها : الحلية، وهو قوله : يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ فبين تعالى أنه موصلهم في الآخرة إلى ما حرمه عليهم في الدنيا من هذه الأمور وإن كان من أحله لهم أيضا شاركهم فيه لأن المحلل للنساء في الدنيا يسير بالإضافة إلى ما سيحصل لهم في الآخرة. وثالثها : الملبوس وهو قوله : وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، ورابعها : قوله : وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وفيه وجوه : أحدها : أن شهادة


الصفحة التالية
Icon