مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢١٩
[في قوله تعالى وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً] اعلم أن قوله : وَإِذْ بَوَّأْنا أي واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة، أي مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة. وكان قد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم اللَّه تعالى إبراهيم عليه السلام مكانه بريح أرسلها فكشفت ما حوله فبناه على وضعه الأول، وقيل أمر إبراهيم بأن يأتي موضع البيت فيبنى، فانطلق فخفي عليه مكانه فبعث اللَّه تعالى على قدر البيت الحرام في العرض والطول غمامة وفيها رأس يتكلم وله لسان وعينان فقال يا إبراهيم ابن علي قدري وحيالى فأخذ في البناء وذهبت السحابة، وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : لا شك أن (أن) هي المفسرة فكيف يكون النهي عن الشرك والأمر / بتطهير البيت تفسيرا للتبوئة الجواب : أنه سبحانه لما قال جعلنا البيت مرجعا لإبراهيم، فكأنه قيل ما معنى كون البيت مرجعا له، فأجيب عنه بأن معناه أن يكون بقلبه موحدا لرب البيت عن الشريك والنظير، وبقالبه مشتغلا بتنظيف البيت عن الأوثان والأصنام.
السؤال الثاني : أن إبراهيم لما لم يشرك باللَّه فكيف قال (أن لا تشرك بي) الجواب : المعنى لا تجعل في العبادة لي شريكا، ولا تشرك بي غرضا آخر في بناء البيت.
السؤال الثالث : البيت ما كان معمورا قبل ذلك فكيف قال (و طهر بيتي) الجواب : لعل ذلك المكان كان صحراء وكانوا يرمون إليها الأقذار، فأمر إبراهيم ببناء البيت في ذلك المكان وتطهيره من الأقذار، وكانت معمورة فكانوا قد وضعوا فيها أصناما فأمره اللَّه تعالى بتخريب ذلك البناء ووضع بناء جديد وذلك هو التطهير عن الأوثان، أو يقال المراد أنك بعد أن تبنيه فطهره عما لا ينبغي من الشرك وقول الزور.
وأما قوله : لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما للطائفين بالبيت من غير أهل مكة وَالْقائِمِينَ أي المقيمين بها وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ أي من المصلين من الكل، وقال آخرون القائمون وهم المصلون، لأن المصلي لا بد وأن يكون في صلاته جامعا بين القيام والركوع والسجود واللَّه أعلم.
أما قوله تعالى : وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن محيصن وآذن بمعنى أعلم.
المسألة الثانية : في المأمور قولان : أحدهما : وعليه أكثر المفسرين أنه هو إبراهيم عليه السلام
قالوا لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قال سبحانه : وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قال يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال عليك الأذان وعلي البلاغ. فصعد إبراهيم عليه السلام الصفا وفي رواية أخرى أبا قبيس، وفي رواية أخرى على المقام قال إبراهيم كيف أقول؟ قال جبريل عليه السلام : قل لبيك اللهم لبيك فهو أول من لبى، وفي رواية أخرى أنه صعد الصفا فقال : يا أيها الناس إن اللَّه كتب عليكم حج البيت العتيق فسمعه ما بين السماء والأرض، فما بقي شيء سمع صوته إلا أقبل يلبي يقول : لبيك اللهم لبيك، وفي رواية أخرى إن اللَّه يدعوكم إلى حج البيت الحرام ليثيبكم به الجنة ويخرجكم من النار، فأجابه يومئذ من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء،


الصفحة التالية
Icon