مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢٣٠
الصوامع للنصارى والبيع لليهود والصلوات للصابئين والمساجد للمسلمين عن أبي العالية رضي اللَّه عنه وثانيها :
الصوامع للنصارى وهي التي بنوها في الصحارى والبيع لهم أيضا وهي التي يبنونها في البلد والصلوات لليهود، قال الزجاج وهي بالعبرانية صلوتا وثالثها : الصوامع للصابئين والبيع للنصارى والصلوات لليهود عن قتادة ورابعها : أنها بأسرها أسماء المساجد عن الحسن، أما الصوامع فلأن المسلمين قد يتخذون الصوامع، وأما البيع فأطلق هذا الاسم على المساجد على سبيل التشبيه، وأما الصلوات فالمعنى أنه لولا ذلك الدفع لانقطعت الصلوات ولخربت المساجد.
السؤال الرابع : الصلوات كيف تهدم خصوصا على تأويل من تأوله على صلاة المسلمين؟ الجواب : من وجوه : أحدها : المراد بهدم الصلاة إبطالها وإهلاك من يفعلها كقولهم هدم فلان إحسان فلان إذا قابله بالكفر دون الشكر وثانيها : بل المراد مكان الصلوات لأنه الذي يصح هدمه كقوله : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف : ٨٢] أي أهلها وثالثها : لما كان الأغلب فيما ذكر ما يصح أن / أن يهدم جاز ضم ما لا يصح أن يهدم إليه، كقولهم متقلدا سيفا ورمحا، وإن كان الرمح لا يتقلد.
السؤال الخامس : قوله : يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً مختص بالمساجد أو عائد إلى الكل؟ الجواب : قال الكلبي ومقاتل عائد إلى الكل لأن اللَّه تعالى يذكر في هذه المواضع كثيرا، والأقرب أنه مختص بالمساجد تشريفا لها بأن ذكر اللَّه يحصل فيها كثيرا.
السؤال السادس : لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد؟ الجواب : لأنها أقدم في الوجود، وقيل أخرها في الذكر كما في قوله : وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر : ٣٢] ولأن أول الفكر آخر العمل، فلما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خير الرسل وأمته خير الأمم لا جرم كانوا آخرهم ولذلك قال عليه السلام :
«نحن الآخرون السابقون».
أما قوله تعالى : وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ فقال بعضهم من ينصره بتلقى الجهاد بالقبول نصرة لدين اللَّه تعالى، وقال آخرون : بل المراد من يقوم بسائر دينه، وإنما قالوا ذلك لأن نصرة اللَّه على الحقيقة لا تصح، وإنما المراد من نصرة اللَّه نصرة دينه كما يقال في ولاية اللَّه وعداوته مثل ذلك وفي قوله : وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وعد بالنصر لمن هذه حاله ونصر اللَّه تعالى للعبد أن يقويه على أعدائه حتى يكون هو الظافر ويكون قائما بإيضاح الأدلة والبينات، وبكون بالإعانة على المعارف والطاعات، وفيه ترغيب في الجهاد من حيث وعدهم النصر، ثم بين تعالى أنه قوي على هذه النصرة التي وعدها المؤمنين، وأنه لا يجوز عليه المنع وهو معنى قوله عَزِيزٌ لأن العزيز هو الذي لا يضام ولا يمنع مما يريده. ثم إنه سبحانه وتعالى وصف الذين أذن لهم في القتال في الآية الأولى فقال : الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ والمراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول على الخلق لأن المتبادر إلى الفهم من قوله : مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ليس إلا هذا، ولأنا لو حملناه على أصل القدرة لكان كل العباد كذلك وحينئذ يبطل ترتب الأمور الأربعة المذكورة عليه في معرض الجزاء، لأنه ليس كل من كان قادرا على الفعل أتى بهذه الأشياء. إذا ثبت هذا فنقول : المراد بذلك هم المهاجرون لأن قوله :
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ صفة لمن تقدم وهو قوله : الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ والأنصار ما أخرجوا من ديارهم فيصير معنى الآية أن اللَّه تعالى وصف المهاجرين بأنه إن مكنهم من الأرض وأعطاهم السلطنة، فإنهم أتوا


الصفحة التالية
Icon