مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢٣٥
اعلم أنه تعالى لما بين للرسول صلى اللَّه عليه وسلم أنه يجب أن يقول لهم أنا نذير مبين أردف ذلك بأن أمره بوعدهم ووعيدهم، لأن الرجل إنما يكون منذرا بذكر الوعد للمطيعين والوعيد / للعاصين. فقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات فجمع بين الوصفين وهذا دليل على أن العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان وبه يبطل قول المعتزلة ويدخل في الإيمان كل ما يجب من الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، ويدخل في العمل الصالح أداء كل واجب وترك كل محظور، ثم بين سبحانه أن من جمع بينهما فاللَّه تعالى يجمع له بين المغفرة والرزق الكريم. أما المغفرة فإما أن تكون عبارة عن غفران الصغائر، أو عن غفران الكبائر بعد التوبة، أو عن غفرانها قبل التوبة، والأولان واجبان عند الخصم، وأداء الواجب لا يسمى غفرانا، فبقي الثالث وهو دلالته على العفو عن أصحاب الكبائر من أهل القبلة. وأما الرزق الكريم فهو إشارة إلى الثواب، وكرمه يحتمل أن يكون للصفات السلبية، وهو أن الإنسان هناك يستغني عن المكاسب وتحمل المشاق والذل فيها وارتكاب المآثم والدناءة بسببها، وأن يكون للصفات الثبوتية، وهو أن يكون رزقا كثيرا دائما خالصا عن شوائب الضرر، مقرونا بالتعظيم والتبجيل. والأولى جعل الكريم دالا على كل هذه الصفات، فهذا شرح حال المؤمنين. وأما حال الكفار فقال :
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ والمراد اجتهدوا في ردها والتكذيب بها حيث سموها سحرا وشعرا وأساطير الأولين، ويقال لمن بذل جهده في أمر : إنه ك واجبا سقط الكلام.
وأما قوله : وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ فيقال هذا أيضا وارد عليكم فإنه سبحانه خلق الشهوة في قلب الفاسق وأكدها وخلق المشتهي وقربه منه ورفع المانع ثم سلط عليه الشياطين من الإنس والجن وعلم أنه لا محالة يقع في الفجور والضلال، وفي الشاهد كل من فعل ذلك فإنه يكون بئس المولى، فإن صح قياس الغائب على الشاهد فهذا لازم عليكم وإن بطل سقط كلامكم بالكلية.
تم تفسير سورة الحج، ويتلوه تفسير سورة المؤمنون، والحمد للَّه رب العالمين.

(١) كيف هذا مع قوله تعالى في سورة محمد عليه السلام [١١] : ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ولتوجيه هذا الكلام يقال المولى في الآيات بمعنى الناصر والمعين. وقد عنى به المصنف السد والمالك والرب.


الصفحة التالية
Icon