مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢٩٠
اعلم أنه يمكن أن يكون المقصود من هذه الآيات الرد على منكري الإعادة وأن يكون المقصود / الرد على عبدة الأوثان، وذلك لأن القوم كانوا مقرين باللَّه تعالى فقالوا نعبد الأصنام لتقربنا إلى اللَّه زلفى، ثم إنه سبحانه احتج عليهم بأمور ثلاثة : أحدها : قوله : قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها ووجه الاستدلال به على الإعادة أنه تعالى لما كان خلقا للأرض ولمن فيها من الأحياء، وخالقا لحياتهم وقدرتهم وغيرها، فوجب أن يكون قادرا على أن يعيدهم بعد أن أفناهم. ووجه الاستدلال به على نفي عبادة الأوثان، من حيث إن عبادة من خلقكم وخلق الأرض وكل ما فيها من النعم هي الواجبة دون عبادة ما لا يضر ولا ينفع، وقوله : أَفَلا تَذَكَّرُونَ معناه الترغيب في التدبر ليعلموا بطلان ما هم عليه وثانيها : قوله : مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ووجه الاستدلال على الأمرين كما تقدم، وإنما قال : أَفَلا تَتَّقُونَ تنبيها على أن اتقاء عذاب اللَّه لا يحصل إلا بترك عبادة الأوثان والاعتراف بجواز الإعادة وثالثها : قوله تعالى : قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ.
اعلم أنه سبحانه لما ذكر الأرض أولا والسماء ثانيا عمم الحكم هاهنا، فقال من بيده ملكوت كل شيء، ويدخل في الملكوت الملك والملك على سبيل المبالغة، وقوله : وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ يقال أجرت فلانا على فلان إذا أغثته منه ومنعته. يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء، ولا يغيث أحد منه أحدا.
أما قوله تعالى : فَأَنَّى تُسْحَرُونَ فالمعنى أنى تخدعون عن توحيده وطاعته، والخادع هو الشيطان والهوى. ثم بين تعالى بقوله : بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ أنه قد بالغ في الحجاج عليهم بهذه الآيات وغيرها وهم مع ذلك كاذبون، وذلك كالتوعد والتهديد، وقرئ أتيتهم، وأتيتهم بالضم والفتح وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : قرئ قل لله في الجواب الأول باللام لا غير، وقرئ اللَّه في الأخيرين بغير اللام في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام وباللام في مصاحف أهل البصرة فما الفرق؟ الجواب : لا فرق في المعنى، لأن قولك من ربه، ولمن هو؟ في معنى واحد.
السؤال الثاني : كيف قال : إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ثم حكى عنهم سيقولون اللَّه وفيه تناقض؟ الجواب : لا تناقض لأن قوله : إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لا ينفي عملهم بذلك. وقد يقال مثل ذلك في الحجاج على وجه التأكيد لعلمهم والبعث على اعترافهم بما يورد من ذلك.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩١ إلى ٩٦]
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦)


الصفحة التالية
Icon