مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٠٩
المال، وإن لم يكن لها محرم تغرب مع النساء الثقات، كما يجب عليها الخروج إلى الحج معهن. قوله التغريب يفتح عليها باب الزنا، قلنا لا نسلم فإن أكثر الزنا بالإلف والمؤانسة وفراغ القلب، وأكثر هذه الأشياء تبطل بالغربة، فإن الإنسان يقع في الوحشة والتعب والنصب فلا يتفرغ للزنا والجواب : عن السابع، أي استبعاد في أن يكون الإنسان الذي يعجز عن ركوب الدابة يقدر على الزنا؟ والجواب : عن الثامن أنه ينتقض بالتغريب إذا وقع على سبيل التعزير واللَّه أعلم.
المسألة الثالثة : اتفقت الأمة على أن قوله سبحانه وتعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي يفيد الحكم في كل الزناة، لكنهم اختلفوا في كيفية تلك الدلالة فقال قائلون لفظ الزاني يفيد العموم، والمختار أنه ليس كذلك ويدل عليه أمور : أحدها : أن الرجل إذا قال لبست الثوب أو شربت الماء لا يفيد العموم وثانيها : أنه لا يجوز توكيده بما يؤكد به الجمع، فلا يقال جاءني الرجل أجمعون وثالثها : لا ينعت بنعوت الجمع فلا يقال جاءني الرجل الفقراء، وتكلم الفقيه الفضلاء، فأما قولهم أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر، فمجاز بدليل أنه لا يطرد، وأيضا فإن كان الدينار الصفر حقيقة وجب أن يكون الدينار الأصفر مجازا، كما أن الدنانير الصفر لما كانت / حقيقة كان الدنانير الأصفر مجازا ورابعها : أن الزاني جزئي من هذا الزاني، فإيجاب جلد هذا الزاني إيجاب جلد الزاني، فلو كان إيجاب جلد الزاني إيجابا لجلد كل زان لزم أن يكون إيجاب جلد هذا الزاني إيجاب جلد كل زان، ولما لم يكن كذلك بطل ما قالوه.
فإن قيل لم لا يجوز أن يقال اللفظ المطلق إنما يفيد العموم بشرط العراء عن لفظ التعيين، أو يقال اللفظ المطلق وإن اقتضى العموم إلا أن لفظ التعيين يقتضي الخصوص، قلنا أما الأول فباطل لأن العدم لا دخل له في التأثير، أما الثاني فلأنه يقتضي التعارض وهو خلاف الأصل وخامسها : أن يقال الإنسان هو الضحاك فلو كان المفهوم من قولنا الإنسان هو كل الإنسان لنزل ذلك منزلة ما يقال كل إنسان هو الضحاك، وذلك متناقض لأنه يقتضي حصر الإنسانية في كل واحد من الناس ومعنى الحصر هو أن يثبت فيه لا في غيره فيلزم أن يصدق على كل واحد من أشخاص الناس أنه هو الضحاك لا غير واحتج المخالف بوجهين : الأول : أنه يجوز الاستثناء منه لقوله تعالى : إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [العصر : ٢، ٣] والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل تحته الثاني : أن الألف واللام للتعريف، وليس ذلك لتعريف الماهية، فإن ذلك قد حصل بأصل الإسم، ولا لتعريف واحد بعينه، فإنه ليس في اللفظ دلالة عليه، ولا لتعريف بعض مراتب الخصوص فإنه ليس بعض المراتب أولى من بعض، فوجب حمله على تعريف الكل والجواب : عن الأول أن ذلك الاستثناء مجاز بدليل أنه لا يصح أن يقال رأيت الإنسان إلا المؤمنين، وعن الثاني أنه يشكل بدخول الألف واللام على صيغة الجمع، فإن جعلتها هناك للتأكيد فكذا هاهنا، ومن الناس من قال إن قوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وإن كان لا يفيد العموم بحسب اللفظ، لكنه يفيده بحسب القرينة وذلك من وجهين : الأول : أن ترتيب الحكم على الوصف المشتق يفيد كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، لا سيما إذا كان الوصف مناسبا وهاهنا كذلك، فيدل ذلك على أن الزنا علة لوجوب الجد، فيلزم أن يقال أينما تحقق الزنا يتحقق وجوب الجلد ضرورة أن العلة لا تنفك عن المعلول الثاني : أن المراد من قوله :
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي إما أن يكون كل الزناة أو البعض، فإن كان الثاني صارت الآية مجملة وذلك يمنع من إمكان العمل به، لكن العمل به مأمور وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فوجب حمله على العموم حتى يمكن العمل به واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon