مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣١٢
السنة في كتاب التهذيب لا خلاف أن على القاضي أن يمتنع عن القضاء بعلم نفسه مثل ما إذا ادعى رجل على آخر حقا وأقام عليه بينة، والقاضي يعلم أنه قد أبرأه، أو ادعى أنه قتل أباه وقت كذا، وقد رآه القاضي حيا بعد ذلك، أو ادعى نكاح امرأة وقد سمعه القاضي طلقها، لا يجوز أن يقضي به وإن أقام عليه شهودا، وهل يجوز للقاضي أن يقضي بعلم نفسه مثل أن ادعى عليه ألفا وقد رآه القاضي أقرضه أو سمع المدعي عليه أقربه فيه قولان أصحهما وبه قال أبو يوسف ومحمد والمزني رحمهم اللَّه، أنه يجوز له أن يقضي بعلمه لأنه لما جاز له أن يحكم بشهادة الشهود وهو من قولهم على ظن فلأن يجوز بما رآه وسمعه وهو منه على علم أولى، قال الشافعي رحمه اللَّه في كتاب الرسالة أقضي بعلمي وهو أقوى من شاهدين أو بشاهدين وشاهد وامرأتين وهو أقوى من شاهد ويمين أو بشاهد ويمينو هو أقوى من النكول ورد اليمين.
والقول الثاني : لا يقضي بعلمه وهو قول ابن أبي ليلى، لأن انتفاء التهمة شرط في القضاء ولم يوجد هذا في المال، أما في العقوبات فينظر إن كان ذلك من حقوق العباد كالقصاص وحد القذف هل يحكم فيه بعلم نفسه يرتب على المال إن قلنا هناك لا يقضي فههنا أولى وإلا فقولان، والفرق أن مبنى حقوق اللَّه تعالى على المساهلة والمسامحة، ولا فرق على القولين أن يحصل العلم للقاضي في بلد ولايته وزمان ولايته أو في غيره، وقال أبو حنيفة رحمه اللَّه إن حصل له العلم في بلد ولايته له أن يقضي بعلمه وإلا فلا، فنقول العلم لا يختلف باختلاف هذه الأحوال، فوجب أن لا يختلف الحكم باختلافها واللَّه أعلم.
الطريق الثاني : الإقرار قال الشافعي رحمه اللَّه الإقرار بالزنا مرة واحدة يوجب الحد، وقال أبو حنيفة رحمه اللَّه بل لا بد من الإقرار أربع مرات في أربع مجالس، وقال أحمد لا بد من الإقرار أربع مرات لكن لا فرق بين أن يكون في أربع مجالس أو في مجلس واحد، حجة الشافعي رحمه اللَّه أمران : الأول :
قصة العسيف فإنه قال عليه السلام فإن اعترفت فارجمها،
وذلك دليل عل أن الاعتراف مرة واحدة كاف والثاني : أنه لما أقر بالزنا وجب الحد عليه
لقوله عليه السلام اقض بالظاهر،
والإقرار مرة واحدة يوجب الظهور لا سيما هاهنا، وذلك لأن الصارف عن الإقرار بالزنا قوي، لما أنه سبب العار في الحال والألم الشديد في المآل، والصارف عن الكذب أيضا / قائم وعند اجتماع الصارفين يقوى الانصراف، فثبت أنه إنما أقدم على هذا الإقرار لكونه صادقا. وإذا ظهر اندرج تحت الحديث وتحت الآية، أو نقيسه على الإقرار بالقتل والردة، واحتج أبو حنيفة رحمه اللَّه بوجوه : أحدها : قصة ماعز والاستدلال بها من وجوه : الأول : أنه عليه السلام أعرض عنه في المرة الأولى، ولو وجب عليه الحد لم يعرض عنه، لأن الإعراض عن إقامة حد اللَّه تعالى بعد كمال الحجة لا يجوز الثاني :
أنه عليه السلام قال :«إنك شهدت على نفسك أربع مرات»
ولو كان الواحد مثل الأربع في إيجاب الحد كان هذا القول لغوا والثالث : روي عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه أنه قال لماعز بعد ما أقر ثلاث مرات :«لو أقررت الرابعة لرجمك رسول اللَّه» والرابع : عن بريدة الأسلمي قال :«كنا معشر أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم نقول لو لم يقر ماعز أربع مرات ما رجمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» وثانيها : أنهم قاسوا الإقرار على الشهادة فكما أنه لا يقبل في الزنا إلا أربع شهادات فكذا في الإقرار به والجامع السعي في كتمان هذه الفاحشة وثالثها : أن الزنا لا ينتفي إلا بأربع شهادات أو بأربع أيمان في اللعان فجاز أيضا أن لا يثبت إلا بالإقرار أربع مرات، وبه يفارق سائر الحقوق فإنها تنتفي بيمين واحد، فجاز أيضا أن يثبت بإقرار واحد والجواب : عن الأول أنه ليس في الحديث إلا أنه عليه السلام


الصفحة التالية
Icon