مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٢٠
السؤال الرابع : لم قدمت الزانية على الزاني في الآية المتقدمة وهاهنا بالعكس الجواب : سبقت تلك الآية لعقوبتها على جنايتها، والمرأة هي المادة في الزنا، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه هو الراغب والطالب.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤ إلى ٥]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
الحكم الثالث القذف
[في قوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ] اعلم أن ظاهر الآية لا يدل على الشيء الذي به رموا المحصنات وذكر الرمي لا يدل على الزنا، إذ قد يرميها بسرقة وشرب خمر وكفر، بل لا بد من قرينة دالة على التعيين، وقد أجمع العلماء على أن المراد الرمي بالزنا وفي الآية أقوال تدل عليه أحدها : تقدم ذكر الزنا وثانيها : أنه تعالى ذكر المحصنات وهن العفائف، فدل ذلك على أن المراد بالرمي رميهن بضد العفاف وثانيها : قوله : ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ يعني على صحة ما رموهن به، ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا في الزنا ورابعها : انعقاد الإجماع أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا فوجب أن يكون المراد هو الرمي بالزنا، إذا عرفت هذا فالكلام في هذه الآية يتعلق بالرمي والرامي والمرمي.
البحث الأول : في الرمي وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية وتعريض، فالصريح أن يقول يا زانية أو زنيت أو زنى قبلك أو دبرك، ولو قال زنى بدنك فيه وجهان : أحدها : أنه كناية كقوله : زنى يدك، لأن حقيقة الزنا من الفرج فلا يكون من سائر البدن إلا المعونة والثاني : وهو الأصح أنه صريح، لأن الفعل إنما يصدر من جملة البدن. والفرج آلة في الفعل. أما الكنايات فمثل أن يقول يا فاسقة، يا فاجرة، يا خبيثة، يا مؤاجرة، يا ابنة الحرام، أو امرأتي لا ترد يد لامس، والعكس فهذا لا يكون قذفا إلا أن يريده، وكذلك لو قال لعربي يا نبطي، فهذا لا يكون قذفا إلا أن يريده، فإن أراد به القذف فهو قذف لأم المقول له وإلا فلا، فإن قال عنيت به نبطي الدار واللسان، وادعت أم المقول له أنه أراد القذف، فالقول قوله مع يمينه. أما التعريض فليس بقذف وإن أراده، وذلك مثل قوله : يا ابن الحلال، أما أنا فما زنيت وليست أمي زانية، وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر وابن شبرمة والثوري والحسن بن صالح رحمهم اللَّه. وقال مالك رحمه اللَّه : يجب الحد فيه، وقال أحمد وإسحاق : هو قذف في حال الغضب دون حال الرضا، لنا، أن التعريض بالقذف محتمل للقذف ولغيره، فوجب أن لا يجب الحد، لأن الأصل براءة الذمة فلا يرجع عنه بالشك، وأيضا
فلقوله عليه السلام :«ادرءوا الحدود بالشبهات»
ولأن الحدود شرعت على خلاف النص النافي للضرر. الإيذاء الحاصل بالتصريح فوق الحاصل بالتعريض، واحتج المخالف بما روى الأوزاعي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر


الصفحة التالية
Icon