مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٢٢
وأما السنة فلا دلالة فيها على هذه المسألة لأن قذفهما بلفظ واحد، ولنا في هذه المسألة تفصيل سيأتي إن شاء.
وأما القياس ففاسد لأن حد القذف حق الآدمي. بدليل أنه لا يحد إلا بمطالبة المقذوف وحقوق الآدمي لا تتداخل بخلاف حد الزنا، فإنه حق اللَّه تعالى. هذا كله إذا قذف جماعة كل واحد منهم بكلمة على حدة. أما إذا قذفهم بكلمة واحدة فقال أنتم زناة أو زنيتم، ففيه قولان أصحهما وهو قوله في «الجديد» : يجب لكل واحد حد كامل لأنه من حقوق العباد فلا يتداخل، ولأنه أدخل على كل واحد منهم معرة فصار كما لو قذفهم بكلمات.
وفي «القديم» لا يجب للكل إلا حد واحد اعتبارا باللفظ، فإن اللفظ واحد والأول أصح لأنه أوفق لمفهوم الآية. فعلى هذا لو قال لرجل يا ابن الزانيين يكون قذفا لأبويه بكلمة واحدة فعليه حدان.
المسألة الثالثة : فيما يبيح القذف : القذف ينقسم إلى محظور ومباح وواجب، وجملة الكلام أنه إذا لم يكن ثم ولد يريد نفيه فلا يجب، وهل يباح أم لا ينظر إن رآها بعينه تزني أو أقرت هي على نفسها ووقع في قلبه صدقها أو سمع ممن يثق بقوله أو لم يسمع، لكنه استفاض فيما بين الناس أن فلانا يزني بفلانة، وقد رآه الزوج يخرج من بيتها أو رآه معها في بيت، فإنه يباح له القذف لتأكد التهمة، ويجوز أن يمسكها ويستر عليها.
لما
روي «أن رجلا قال يا رسول اللَّه إن لي امرأة لا ترد يد لامس، قال طلقها. قال إني أحبها، قال فأمسكها»
أما إذا سمعه ممن لا يوثق أو استفاض من بين الناس ولكن الزوج لم يره معها أو بالعكس لم يحل له قذفها، لأنه قد يذكره من لا يكون ثقة فينتشر ويدخل بيتها خوفا من قاصد أو لسرقة أو لطلب فجور فتأبى المرأة قال اللَّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور : ١١] أما إذا كان ثم ولد يريد نفيه، نظر فإن تيقن أنه ليس منه بأن لم يكن وطئها الزوج أو وطئها لكنها أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الوطء أو لأكثر من أربع سنين يجب عليه نفيه باللعان لأنه ممنوع من استلحاق نسب الغير كما هو ممنوع من نفي نسبه، لما
روي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال :«أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من اللَّه في شيء ولم يدخلها اللَّهجنته»
فلما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم كان الرجل أيضا كذلك، أما إن احتمل أن يكون منه بأن أتت به الأكثر من ستة أشهر أشهر من وقت الوطء ولدون أربع سنين، نظر إن لم / يكن قد استبرأها بحيضة، أو استبرأها وأتت به لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء، لا يحل له القذف والنفي وإن اتهمها بالزنا،
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم :«أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب اللَّه منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين»
فإن استبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء يباح له القذف والنفي. والأولى أن لا يفعل لأنها قد ترى الدم على الحبل وإن أتت امرأته بولد لا يشبهه بأن كانا أبيضين فأتت به أسود، نظر إن لم يكن يتهمها بالزنا فليس له نفيه، لما
روى أبو هريرة رضي اللَّه عنه :«أن رجلا قال للنبي صلى اللَّه عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال هل لك من إبل؟ قال نعم، قال ما ألوانها؟ قال حمر، قال فهل فيها أورق؟ قال نعم، قال فكيف ذاك؟ قال نزعه عرق قال فلعل هذا نزعه عرق»
وإن كان يتهمها بزنا أو يتهمها برجل فأتت بولد يشبهه هل يباح له نفيه فيه وجهان : أحدهما : لا لأن العرق ينزع والثاني : له ذلك لأن التهمة قد تأكدت بالشبهة.
البحث الثاني : في الرامي وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا قذف الصبي أو المجنون امرأته أو أجنبيا فلا حد عليهما ولا لعان، لا في الحال ولا


الصفحة التالية
Icon