مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٣٠
وأما قوله تعالى : فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فالمعنى أنه لكونه غفورا رحيما يقبل التوبة وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا إذ لو كان واجبا لما كان في قبوله غفورا رحيما، لأنه إذا كان واجبا فهو إنما يقبله خوفا وقهرا لعلمه بأنه لو لم يقبله لصار سفيها، ولخرج عن حد الإلهية. أما إذا لم يكن واجبا فقبله. فهناك تتحقق الرحمة والإحسان وباللَّه التوفيق.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٦ إلى ١٠]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)
الحكم الرابع حكم اللعان
اعلم أنه سبحانه لما ذكر أحكام قذف الأجنبيات عقبه بأحكام قذف الزوجات، ثم هذه الآية مشتملة على أبحاث :
البحث الأول : في سبب نزوله وذكروا فيه وجوها : أحدها : قال ابن عباس رحمهم اللَّه :«لما نزل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ قال عاصم بن عدي الأنصاري إن دخل منا رجل بيته فوجد رجلا على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج، وإن قتله قتل به، وإن قال وجدت فلانا مع تلك المرأة ضرب وإن سكت سكت على غيظ. اللهم افتح. وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس فأتى عويمر عاصما فقال : لقد رأيت شريك بن سحماء على بطن امرأتي خولة فاسترجع عاصم وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه ما أسرع ما ابتليت بهذا في أهل بيتي، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما ذاك؟ فقال أخبرني عويمر ابن عمي بأنه رأى شريك بن سحماء على بطن امرأته خولة وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنو عم عاصم فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهم جميعا وقال لعويمر اتق اللَّه في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها فقال يا رسول اللَّه أقسم باللَّه أني رأيت شريكا على بطنها وأني ما قربتها منذ أربعة أشهر وأنها حبلى من غيري، فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتقي اللَّه ولا تخبري إلا بما صنعت فقالت يا رسول اللَّه إن عويمرا رجل غيور وإنه رأى شريكا يطيل النظر إلي ويتحدث فحملته الغيرة على ما قال، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى نودي الصلاة جامعة فصلى العصر / ثم قال لعويمر قم وقل أشهد باللَّه أن خولة لزانية وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثانية قل أشهد باللَّه أني رأيت شريكا على بطنها وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثالثة قل أشهد باللَّه أنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين، ثم قال في الرابعة قل أشهد باللَّه أنها زانية


الصفحة التالية
Icon