مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٣٦
المسألة الرابعة : قال الشافعي رحمه اللَّه : لو أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم، وقال أبو حنيفة رحمه اللَّه أكثر كلمات اللعان تعمل عمل الكل إذا حكم به الحاكم، والظاهر مع الشافعي لأنه يدل على أنها لا تدرأ العذاب عن نفسها إلا بتمام ما ذكره اللَّه تعالى، ومن قال بخلاف ذلك فإنما يقوله بدليل منفصل.
الطرف الرابع : في كيفية اللعان والآية دالة عليها صريحا، فالرجل يشهد أربع شهادات باللَّه بأن يقول :
أشهد باللَّه إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ثم يقول من بعد، وعليه لعنة اللَّه إن كان من الكاذبين.
ويتعلق بلعان الزوج تلك الأحكام الخمسة على قول الشافعي رحمه اللَّه، ثم المرأة إذا أرادت إسقاط حد الزنا عن نفسها عليها أن تلاعن ولا يتعلق بلعانها إلا هذا الحكم الواحد، ثم هاهنا فروع الفرع الأول : أجمعوا على أن اللعان كالشهادة فلا يثبت إلا عند الحاكم الثاني : قال الشافعي رحمه اللَّه يقام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة، وتقام المرأة حتى تشهد والرجل قاعد، ويأمر الإمام من يضع يده على فيه عند الانتهاء إلى اللعنة والغضب ويقول له أني أخاف إن لم تك صادقا أن تبوء بلعنة اللَّه الثالث : اللعان بمكة بين المقام والركن وبالمدينة عند المنبر وبيت المقدس في مسجده وفي غيرها في المواضع المعظمة ولعان المشرك كغيره في الكيفية، وأما الزمان فيوم الجمعة بعد العصر، ولا بد من حضور جماعة من الأعيان أقلهم أربعة.
الطرف الخامس : في سائر الفوائد وفيه مسائل :
المسألة الأولى : احتج أصحابنا بهذه الآية على بطلان قول الخوارج في أن الزنا والقذف كفر من وجهين :
الأول : أن الرامي إن صدق فهي زانية، وإن كذب فهو قاذف فلا بد على قولهم من وقوع الكفر من أحدهما، وذلك يكون ردة فيجب على هذا أن تقع الفرقة ولا لعان أصلا، وأن تكون فرقة الردة حتى لا يتعلق بذلك توارث البتة الثاني : أن الكفر إذا ثبت عليها بلعانه، فالواجب أن تقتل لا أن تجلد أو ترجم، لأن عقوبة المرتد مباينة للحد في الزنا.
المسألة الثانية : الآية دالة على بطلان قول من يقول إن وقوع الزنا يفسد النكاح، وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الضراع أو بأنها كافرة، ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي من قبل اللعان وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك.
المسألة الثالثة : قالت المعتزلة دلت الآية على أن القاذف مستحق للعن اللَّه تعالى إذا كان كاذبا وأنه قد فسق، وكذلك الزاني والزانية يستحقان غضب اللَّه تعالى وعقابه وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما، كما لا يجوز أن يدعو احد ربه أن يلعن الأطفال والمجانين، وإذا صح ذلك فقد / استحق العقاب، والعقاب يكون دائما كالثواب ولا يجتمعان فثوابهما أيضا محبط، فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة، لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته وذلك يدل على خلود الفساق في النار، قال أصحابنا لا نسلم أن كونه مغضوبا عليه بفسقه ينافي كونه مرضيا عنه لجهة إيمانه، ثم لو سلمناه فلم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب والإجماع ممنوع.
المسألة الرابعة : إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب اللَّه تغليظا عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وإطماعها ولذلك كانت مقدمة في آية الجلد.


الصفحة التالية
Icon