مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٤٦
المسألة الثالثة :
روي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال :«إني لأعرف قوما يضربون صدورهم ضربا يسمعه أهل النار، وهم الهمازون اللمازون الذين يلتمسون عورات المسلمين ويهتكون ستورهم ويشيعون فيهم من الفواحش ما ليس فيهم»
وعنه عليه الصلاة والسلام :«لا يستر عبد مؤمن عورة عبد مؤمن إلا ستره اللَّه يوم القيامة ومن أقال مسلما صفقته أقال اللَّه عثرته يوم القيامة ومن ستر عورته ستر اللَّه عورته يوم القيامة»
وعنه عليه الصلاة والسلام :«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه»
وعن عبد اللَّه بن عمر عنه عليه الصلاة والسلام قال :«من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه ويحب أن يؤتى إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه»
وعن أنس قال : قال عليه الصلاة والسلام :«لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير».
المسألة الرابعة : اختلفوا في عذاب الدنيا، فقال بعضهم إقامة الحد عليهم، وقال بعضهم هو الحد واللعن والعداوة من اللَّه والمؤمنين، ضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن أبي وحسان ومسطح، وقعد صفوان لحسان فضربه ضربة بالسيف فكف بصره، وقال الحسن عنى به المنافقين لأنهم قصدوا أن يغموا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومن أراد غم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فهو كافر، وعذابهم في الدنيا هو ما كانوا يتعبون فيه وينفقون لمقاتلة أوليائهم مع أعدائهم، وقال أبو مسلم : الذين يحبون هم المنافقون يحبون ذلك فأوعدهم اللَّه تعالى العذاب في الدنيا على يد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بالمجاهدة لقوله : جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة : ٧٣] والأقرب أن المراد بهذا العذاب ما استحقوه بإفكهم وهو الحد واللعن والذم. فأما عذاب الآخرة فلا شك أنه في القبر عذابه، وفي القيامة عذاب النار.
أما قوله : وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فهو حسن الموقع بهذا الموضع لأن محبة القلب كامنة ونحن لا نعلمها إلا بالأمارات، أما اللَّه سبحانه فهو لا يخفى عليه شيء، فصار هذا الذكر نهاية في الزجر لأن من أحب إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن اللَّه تعالى يعلم ذلك منه وإن علمه سبحانه بذلك الذي أخفاه كعلمه بالذي أظهره ويعلم قدر الجزاء عليه.
المسألة الخامسة : الآية تدل على أن العزم على الذنب العظيم عظيم، وأن إرادة الفسق فسق، لأنه تعالى علق الوعيد بمحبة إشاعة الفاحشة.
المسألة السادسة : قال الجبائي دلت الآية على أن كل قاذف لم يتب من قذفه فلا ثواب له من حيث استحق هذا العذاب الدائم، وذلك يمنع من استحقاق ضده الذي هو الثواب، فمن هذا الوجه تدل على ما نقوله في الوعيد، واعلم أن حاصله يرجع إلى مسألة المحابطة وقد تقدم الكلام عليه.
المسألة السابعة : قالت المعتزلة : إن اللَّه تعالى بالغ في ذم من أحب إشاعة الفاحشة، فلو كان تعالى هو الخالق لأفعال العباد لما كان مشيع الفاحشة إلا هو، فكان يجب أن لا يستحق الذم على إشاعة الفاحشة إلا هو، لأنه هو الذي فعل تلك الإشاعة وغيره لم يفعل شيئا منها، والكلام عليه أيضا قد تقدم.
المسألة الثامنة : قال أبو حنيفة رحمه اللَّه : المصابة بالفجور لا تستنطق، لأن استنطاقها إشاعة للفاحشة وذلك ممنوع منه.


الصفحة التالية
Icon