مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٧٧
[الكهف : ٦٢] وقال : تُراوِدُ فَتاها [يوسف : ٣٠] وقال : فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [النساء : ٢٥] وفي الحديث / «ليقل أحدكم فتاتي ولا يقل عبدي وأمتي».
المسألة الرابعة : البغاء الزنا يقال بغت تبغي بغاء فهي بغي.
المسألة الخامسة : الذي نقول به أن المعلق بكلمة إن على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء، والدليل عليه اتفاق أهل اللغة على أن كلمة إن للشرط واتفاقهم على أن الشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه، ومجموع هاتين المقدمتين النقليتين، يوجب الحكم بأن المعلق بكلمة إن على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء، واحتج المخالف بهذه الآية فقال إنه سبحانه علق المنع من الإكراه على البغاء على إرادة التحصن بكلمة إن فلو كان الأمر كما ذكرتموه لزم أن لا ينتفي المنع من الإكراه على الزنا لم توجد إرادة التحصن وذلك باطل، فإنه سواء وجدت إرادة التحصن أو لم توجد فإن المنع من الإكراه على الزنا حاصل والجواب : لا نزاع أن ظاهر الآية يقتضي جواز الإكراه على الزنا عند عدم إرادة التحصن ولكنه فسد ذلك لامتناعه في نفسه لأنه متى لم توجد إرادة التحصن في حقها لم تكن كارهة للزنا، وحال كونها غير كارهة للزنا يمتنع إكراهها على الزنا فامتنع ذلك لامتناعه في نفسه وذاته، ومن الناس من ذكر فيه جوابا آخر وهو أن غالب الحال أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن، والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخطاب كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق ولكن لما كان الغالب وقوع الخلع في حالة الشقاق لا جرم لم يكن لقوله تعالى : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة : ٢٢٩] مفهوم ومن هذا القبيل قوله : وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء : ١٠١] والقصر لا يختص بحال الخوف ولكنه سبحانه أجراه على سبيل الغالب، فكذا هاهنا والجواب : الثالث معناه إذا أردن تحصنا لأن القصة التي وردت الآية فيها كانت كذلك على ما رويناه أن جارية عبد اللَّه بن أبي أسلمت وامتنعت عليه طلبا للعفاف
فأكرهها فنزلت الآية موافقة لذلك، نظيره قوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا [البقرة : ٢٣] أي وإذا كنتم في ريب.
المسألة السادسة : أنه تعالى لما منع من إكراههن على الزنا ففيه ما يدل على أن لهم إكراههن على النكاح فليس لها أن تمتنع على السيد إذا زوجها بل له أن يكرهها على ذلك وهذه الدلالة دليل الخطاب.
أما قوله إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً أي تعففا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني كسبهن وأولادهن.
أما قوله : وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ فاعلم أنه ليس في الآية [بيان ] أنه تعالى غفور رحيم للمكره أو للمكرهة لا جرم ذكروا فيه وجهين : أحدهما : فإن اللَّه غفور رحيم بهن، لأن الإكراه أزال الإثم والعقوبة، لأن الإكراه عذر للمكرهة، أما المكره فلا عذر له فيما فعل الثاني : المراد فإن اللَّه غفور رحيم بالمكره بشرط التوبة وهذا ضعيف لأن على التفسير / الأول لا حاجة إلى هذا الإضمار، وعلى التفسير الثاني يحتاج إليه.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٤]
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤)
اعلم أنه سبحانه لما ذكر في هذه السورة هذه الأحكام وصف القرآن بصفات ثلاثة : أحدها : قوله : وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ أي مفصلات، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم مبينات بكسر الياء


الصفحة التالية
Icon