مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٨٢
النتائج مقدمات في نتائج أخرى لا إلى نهاية، وقد عرفت أن القوة الحاسة لا تقوى على الاستنتاج أصلا الثاني :
أن القوة العاقلة تقوى على تعقل مراتب الأعداد ولا نهاية لها الثالث : أن القوة العاقلة يمكنها أن تعقل نفسها، وأن تعقل أنها عقلت وكذا إلى غير النهاية الرابع : النسب والإضافات غير متناهية وهي معقولة لا محسوسة فظهر أن القوة العاقلة أشرف الثالث عشر : الإنسان بقوته العاقلة يشارك اللَّه تعالى في إدراك الحقائق وبقوته الحاسة يشارك البهائم، والنسبة معتبرة فكانت القوة العاقلة أشرف الرابع عشر : القوة العاقلة غنية في إدراكها العقلي عن وجود المعقول في الخارج، والقوة الحاسة محتاجة في إدراكها الحسي إلى وجود المحسوس في الخارج، والغني أشرف من المحتاج. الخامس عشر : هذه الموجودات الخارجية ممكنة لذواتها وأنها محتاجة إلى الفاعل، والفاعل لا يمكنه الإيجاد على سبيل الإتقان إلا بعد تقدم العلم، فإذن وجود هذه الأشياء في الخارج تابع للإدراك العقلي، وأما الإحساس بها فلا شك أنه تابع لوجودها في الخارج، فإذن القوة الحساسة تبع لتبع القوة العاقلة السادس عشر : القوة العاقلة غير محتاجة في العقل إلى الآلات بدليل أن الإنسان لو اختلت حواسه الخمس، فإنه يعقل أن الواحد نصف الاثنين، وأن الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية. وأما القوة الحساسة فإنها محتاجة إلى آلات كثيرة، والغني أفضل من المحتاج، السابع عشر : الإدراك البصري لا يحصل إلا للشيء الذي في الجهات، ثم إنه غير متصرف في كل الجهات بل لا يتناول إلا المقابل أو ما هو في حكم المقابل، واحترزنا بقولنا في حكم المقابل عن أمور أربعة : الأول : العرض فإنه ليس بمقابل لأنه ليس في المكان، ولكنه في حكم المقابل لأجل كونه قائما بالجسم الذي هو مقابل الثاني : رؤية الوجه في المرآة، فإن الشعاع يخرج من العين إلى المرآة، ثم يرتد منها إلى الوجه فيصير الوجه مرئيا، وهو من هذا الاعتبار كالمقابل لنفسه. الثالث :
رؤية الإنسان قفاه إذا جعل إحدى المرآتين محاذية لوجهه والأخرى لقفاه. والرابع : رؤية ما لا يقابل بسبب انعطاف الشعاع في الرطوبات كما هو مشروح في كتاب المناظر «١» وأما / القوة العاقلة فإنها مبرأة عن الجهات، فإنها تعقل الجهة والجهة ليست في الجهة، ولذلك تعقل أن الشيء إما أن يكون في الجهة، وإما أن لا يكون في الجهة، وهذا الترديد لا يصح إلا بعد تعقل معنى قولنا ليس في الجهة. الثامن عشر : القوة الباصرة تعجز عند الحجاب، وأما القوة العاقلة فإنها لا يحجبها شيء أصلا فكانت أشرف. التاسع عشر : القوة العاملة كالأمير، والحاسة كالخادم والأمير أشرف من الخادم، وتقرير [الفرق بين ] الإمارة والخدمة مشهور. العشرون : القوة الباصرة قد تغلط كثيرا فإنها قد تدرك المتحرك ساكنا وبالعكس، كالجالس في السفينة، فإنه قد يدرك السفينة المتحركة ساكنة والشط الساكن متحركا، ولولا العقل لما تميز خطأ البصر عن صوابه، والعقل حاكم والحس محكوم، فثبت بما ذكرنا أن الإدراك العقل أشرف من الإدراك البصري، وكل واحد من الإدراكين يقتضي الظهور الذي هو أشرف خواص النور، فكان الإدراك العقلي أولى بكونه نورا من الإدراك البصري، وإذا ثبت هذا فنقول هذه الأنوار العقلية قسمان : أحدهما : واجب الحصول عند سلامة الأحوال وهي التعقلات الفطرية والثاني : ما يكون مكتسبا وهي التعقلات النظرية أما الفطرية فليست هي من لوازم جوهر الإنسان لأنه حال الطفولية لم يكن عالما ألبتة فهذه الأنوار الفطرية إنما حصلت بعد أن لم تكن فلا بد لها من سبب وأما النظريات فمعلوم أن الفطرة الإنسانية قد يعتريها الزيغ في الأكثر وإذا كان كذلك فلا بد من هاد مرشد ولا مرشد فوق كلام اللَّه تعالى وفوق

(١) يريد بالمناظر المرايا. وهو من مباحث العلوم الطبيعية في الضوء والانعكاس الضوئي.


الصفحة التالية
Icon