مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٩١
نور ومصيره إلى النور يوم القيامة، قال الربيع سألت أبا العالية عن مدخله ومخرجه فقال سره وعلانيته.
المسألة الحادية عشرة : قال الجبائي دلت الآية على أن كل من جهل فمن قبله أتي وإلا فالأدلة واضحة ولو نظروا فيها لعرفوا، قال أصحابنا هذه الآية صريح مذهبنا فإنه سبحانه بعد أن / بين أن هذه الدلائل بلغت في الظهور والوضوح إلى هذا الحد الذي لا يمكن الزيادة عليه، قال : يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يعني وضوح هذه الدلائل لا يكفي ولا ينفع ما لم يخلق اللَّه الإيمان ولا يمكن أن يكون المراد من قوله : يَهْدِي اللَّهُ إيضاح الأدلة والبيانات لأنا لو حملنا النور على إيضاح الأدلة لم يجز حمل الهدى عليه أيضا، وإلا لخرج الكلام عن الفائدة، فلم يبق إلا حمل الهدى هاهنا على خلق العلم أجاب أبو مسلم بن بحر عنه من وجهين : الأول : أن قوله : يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ محمول على زيادات الهدى الذي هو كالضد للخذلان الحاصل للضال الثاني : أنه سبحانه يهدي لنوره الذي هو طريق الجنة من يشاء وشبهه بقوله : يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ [الحديد : ١٢] وزيف القاضي عبد الجبار هذين الجوابين أما الأول : فلأن الكلام المتقدم هو في ذكر الآيات المنزلة فإذا حملناه على الهدى دخل الكل فيه وإذا حملناه على الزيادة لم يدخل فيه إلا البعض، وإذا حمل على طريق الجنة لا يكون داخلا فيه أصلا إلا من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ولما زيف هذين الجوابين، قال الأولى أن يقال إنه تعالى هدى بذلك البعض دون البعض وهم الذين بلغهم حد التكليف.
واعلم أن هذا الجواب أضعف من الجوابين الأولين، لأن قوله : يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يفهم منه أن هذه الآيات مع وضوحها لا تكفي، وهذا لا يتناول الصبي والمجنون فسقط ما قالوه.
المسألة الثانية عشرة : قوله تعالى : وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ والمراد للمكلفين من الناس وهو النبي ومن بعث إليه، فإنه سبحانه ذكر ذلك في معرض النعمة العظيمة، واستدلت المعتزلة به فقالوا إنما يكون ذلك نعمة عظيمة لو أمكنهم الانتفاع به، ولو كان الكل بخلق اللَّه تعالى لما تمكنوا من الانتفاع به، وجوابه ما تقدم، ثم بين أنه سبحانه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وذلك كالوعيد لمن لا يعتبر ولا يتفكر في أمثاله ولا ينظر في أدلته فيعرف وضوحها وبعدها عن الشبهات.
بحمد اللَّه تم الجزء الثالث والعشرون، ويليه الجزء الرابع والعشرون وأوله تفسير قول اللَّه تعالى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ أعان اللَّه على إكماله، بحق محمد صلى اللَّه عليه وسلم


الصفحة التالية
Icon