مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٤٥١
أنهم هم الكفار وذلك لأنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه، (ثم) «١» إذا رأوهم عند الموت (و) «٢» يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون، فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو [الموتور] «٣» ونزول الشدة القول الثاني : أن القائلين هم الملائكة ومعناه حراما محرما عليكم الغفران والجنة والبشرى، أي جعل اللَّه ذلك حراما عليكم، ثم اختلفوا على هذا القول فقال بعضهم إن الكفار إذا خرجوا من قبورهم، قالت الحفظة لهم حجرا محجورا، وقال الكلبي الملائكة على أبواب الجنة يبشرون المؤمنين بالجنة ويقولون للمشركين حجرا محجورا، وقال عطية إذا كان يوم القيامة يلقى الملائكة المؤمنين بالبشرى فإذا رأى الكفار ذلك قالوا لهم بشرونا فيقولون حجرا محجورا القول الثالث : وهو قول القفال والواحدي وروي عن الحسن أن الكفار يوم القيامة إذا شاهدوا ما يخافونه فيتعوذون منه ويقولون حجرا محجورا، فتقول الملائكة لا يعاذ من شر هذا اليوم.
أما قوله تعالى : وَقَدِمْنا فقد استدلت المجسمة بقوله : وَقَدِمْنا لأن القدوم لا يصح إلا على الأجسام، وجوابه أنه لما قامت الدلالة على امتناع القدوم عليه لأن القدوم حركة والموصوف بالحركة محدث، ولذلك استدل الخليل عليه السلام بأفول الكواكب على حدوثها وثبت أن اللَّه عز / وجل لا يجوز أن يكون محدثا، فوجب تأويل لفظ القدوم وهو من وجوه : أحدها : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ أي وقصدنا إلى أعمالهم، فإن القادم إلى الشيء قاصد له، فالقصد هو المؤثر في المقدوم إليه وأطلق المسبب على السبب مجازا وثانيها : المراد قدوم الملائكة إلى موضع الحساب في الآخرة، ولما كانوا بأمره يقدمون جاز أن يقول : وَقَدِمْنا على سبيل التوسع ونظيره قوله : فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ [الزخرف : ٥٥] وثالثها : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها [النمل : ٣٤] فلما أباد اللَّه أعمالهم وأفسدها بالكلية صارت شبيهة بالمواضع التي يقدمها الملك فلا جرم قال وَقَدِمْنا.
أما قوله : إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ يعني الأعمال التي اعتقدوها برا وظنوا أنها تقربهم إلى اللَّه تعالى، والمعنى إلى ما عملوا من أي عمل كان.
أما قوله : فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً فالمراد أبطلناه وجعلناه بحيث لا يمكن الانتفاع به كالهباء المنثور الذي لا يمكن القبض عليه ونظيره قوله تعالى : كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ [النور : ٣٩] كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ [إبراهيم :
١٨] كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل : ٥] قال أبو عبيدة والزجاج : الهباء مثل الغبار يدخل من الكوة مع ضوء الشمس. وقال مقاتل : إنه الغبار الذي يستطير من حوافر الدواب.
أما قوله : أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا فاعلم أنه سبحانه لما بين حال الكفار في الخسار الكلي والخيبة التامة شرح وصف أهل الجنة تنبيها على أن الحظ كل الحظ في طاعة اللَّه تعالى، وهاهنا سؤالات :
الأول : كيف يكون أصحاب الجنة خيرا مستقرا من أهل النار، ولا خير في النار، ولا يقال في العسل هو

(١) في الكشاف (و هم).
(٢) في الكشاف (أو).
(٣) زيادة من الكشاف.


الصفحة التالية
Icon