مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٤٥٤
فإنه يكون مالكا له، ولا يكون هو سبحانه مالكا لذلك المستحق، ولأنه سبحانه إذا استحق على أحد شيئا أمكنه أن يعفو عنه، أما غيره إذا استحق عليه شيئا فإنه لا يصح إبراؤه عنه، فكانت العبودية هاهنا أتم، ولأن من كفر باللَّه إلى آخر عمره ثم في آخر عمره عرف اللَّه لحظة ومات فهو سبحانه لو أعطاه ألف ألف سنة أنواع الثواب وأراد بعد ذلك أن لا يعطيه لحظة واحدة صار سفيها، وهذا نهاية العبودية والذل فكيف يليق بمن هذا حاله أن يقال له : الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وأيضا فكل من فعل فعلا لو لم يفعله لكان مستوجبا للذم وكان بذلك الفعل مكتسبا للكمال وبتركه مكتسبا للنقصان فلم يكن ملكا بل فقيرا مستحقا، فثبت أن قوله سبحانه : الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ غير لائق بأصول المعتزلة.
الصفة الثالثة : قوله : وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً فالمعنى ظاهر لأنه تعالى عالم بالأحوال قادر على كل ما يريده وأما غيره فالكل في ربقة العجز ولجام القهر، فكان في نهاية العسر على الكافر.
الصفة الرابعة : قوله : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الألف واللام في الظالم فيه قولان : أحدهما : أنه للعموم والثاني : أنه للمعهود، والقائلون بالمعهود على قولين : الأول :
قال ابن عباس المراد عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس كان لا يقدم من مقر إلا صنع طعاما يدعو إليه جيرته من أهل مكة ويكثر مجالسة الرسول ويعجبه حديثه فصنع طعاما ودعا الرسول فقال صلى اللَّه عليه وسلم ما آكل من طعامك حتى تأتي بالشهادتين ففعل فأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من طعامه فبلغ أمية بن خلف فقال صبوت يا عقبة وكان خليله فقال إنما ذكرت ذلك ليأكل من طعامي فقال لا أرضى أبدا حتى تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ على عنقه ففعل، فقال عليه السلام لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فنزل وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ
ندامة يعني عقبة يقول : يا ليتني لم أتخذ أمية خليلا لقد أضلني عن الذكر. أي صرفني عن الذكر وهو القرآن والإيمان بعد إذ جاءني مع محمد صلى اللَّه عليه وسلم فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبرا ولم يقتل يومئذ من الأسارى غيره وغير النضر بن الحارث الثاني : قالت الرافضة : هذا الظالم هو رجل بعينه وإن المسلمين غيروا اسمه / وكتموه وجعلوا فلانا بدلا من اسمه، وذكروا فاضلين من أصحاب رسول اللَّه، واعلم أن إجراء اللفظ على العموم ليس لنفس اللفظ، لأنا بينا في أصول الفقه أن لألف واللم إذا دخل على الاسم المفرد لا يفيد العموم بل إنما يفيده للقرينة من حيث إن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعلية الوصف، فدل ذلك على أن المؤثر في العض على اليدين كونه ظالما وحينئذ يعم الحكم لعموم علته وهذا القول أولى من التخصيص بصورة واحدة لأن هذا الذي ذكرناه يقتضي العموم، ونزوله في واقعة أخرى خاصة لا ينافي أن يكون المراد هو العموم حتى يدخل فيه تلك الصورة وغيرها ولأن المقصود من الآية زجر الكل عن الظلم وذلك لا يحصل إلا بالعموم، وأما قول الرافضة فذلك لا يتم إلا بالطعن في القرآن وإثبات أنه غير وبدل ولا نزاع في أنه كفر.
المسألة الثانية : استدلت المعتزلة بقوله : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ قالوا الظالم يتناول الكافر والفاسق، فدل على أن اللَّه تعالى لا يعفو عن صاحب الكبيرة والكلام عليه تقدم.
المسألة الثالثة : قوله : يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ قال الضحاك : يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت فلا يزال كذلك كلما أكلها نبتت، وقال أهل التحقيق هذه اللفظة مشعرة بالتحسر والغم، يقال عض أنامله وعض على يديه.


الصفحة التالية
Icon