مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٤٧٣
النظر الثاني : في أن غير الماء هل هو طهور أم لا؟ فقال الأصم والأوزاعي يجوز الوضوء بجميع المائعات، وقال أبو حنيفة يجوز الوضوء بنبيذ التمر في السفر، وقال أيضا تجوز إزالة النجاسة بجميع المائعات التي تزيل أعيان النجاسات، وقال الشافعي رضي اللَّه عنه الطهورية مختصة بالماء على الإطلاق ودليله في صورة الحدث قوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا [النساء : ٤٣] أوجب التيمم عند عدم الماء، ولو جاز الوضوء بالخل أو نبيذ التمر لما وجب التيمم عند عدم الماء، وأما في صورة الخبث، فلأن الخل لو أفاد طهارة الخبث لكان طهورا لأنه لا معنى للطهور إلا المطهر ولو كان طهورا لوجب أن يجوز به طهارة الحدث
لقوله عليه السلام :«لا يقبل اللَّه صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه»
وكلمة (حتى) لانتهاء الغاية فوجب انتهاء عدم القبول عند استعمال الطهور وانتهاء عدم القبول يكون بحصول القبول، فلو كان الخل طهورا لحصل باستعماله قبول الصلاة، وحيث لم يحصل علمنا أن الطهورية في الخبث أيضا مختصة بالماء.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٠ إلى ٥٢]
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)
[في قوله تعالى وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنهم اختلفوا في أن الهاء في قوله : وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ إلى أي شيء يرجع وذكروا فيه ثلاثة أوجه : أحدها : وهو الذي عليه الجمهور أنه يرجع إلى المطر، ثم من هؤلاء من قال معنى (صرفناه) أنا أجريناه في الأنهار حتى انتفعوا بالشرب وبالزراعات وأنواع المعاش به، وقال آخرون معناه أنه سبحانه ينزله في مكان دون مكان وفي عام دون عام، ثم في العام الثاني يقع بخلاف ما وقع في العام الأول، قال ابن عباس ما عام بأكثر مطرا من عام، ولكن اللَّه يصرفه في الأرض، ثم قرأ هذه الآية، وروى ابن مسعود عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال :«ما من عام بأمطر من عام، ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول اللَّه ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعا صرف اللَّه ذلك إلى الفيافي»
وثانيها : وهو قول أبي مسلم : أن قوله : صَرَّفْناهُ راجع إلى المطر والرياح والسحاب والأظلال وسائر ما ذكر اللَّه تعالى من الأدلة وثالثها : وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ أي هذا القول بين الناس في القرآن وسائر الكتب والصحف التي أنزلت على / رسل وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر ليتفكروا ويستدلوا به على الصانع، والوجه الأول أقرب لأنه أقربالمذكورات إلى الضمير.
المسألة الثانية : قال الجبائي قوله تعالى : لِيَذَّكَّرُوا يدل على أنه تعالى مريد من الكل أن يتذكروا ويشكروا ولو أراد منهم أن يكفروا ويعرضوا لما صح ذلك، وذلك يبطل قول من قال إن اللَّه تعالى مريد للكفر ممن يكفر، قال ودل قوله : فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً على قدرتهم على فعل هذا التذكر إذ لو لم يقدروا لما جاز أن يقال أبوا أن يفعلوه كما لا يقال في الزّمن أبى أن يسعى، وقال الكعبي قوله : وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا حجة على من زعم أن القرآن وبال على الكافرين وأنه لم يرد بإنزاله أن يؤمنوا لأن قوله : لِيَذَّكَّرُوا عام في الكل، وقوله : فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ يقتضي أن يكون هذا الأكثر داخلا في ذلك العام لأنه لا يجوز أن يقال أنزلناه على قريش ليؤمنوا، فأبى أكثر- بني تميم- إلا كفورا. واعلم أن الكلام عليه قد تقدم مرارا.
المسألة الثالثة : قوله : فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً المراد كفران النعمة وجحودها من حيث لا يتفكرون


الصفحة التالية
Icon