مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٤٧٥
عظيم اقتداره برزخا حائلا من قدرته، وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : ما معنى قوله : وَحِجْراً مَحْجُوراً؟ الجواب : هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها، وهي هاهنا واقعة على سبيل المجاز، كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول له حجرا محجورا، كما قال : لا يَبْغِيانِ [الرحمن : ٢٠] أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة فانتفاء البغي [ثمة] «١» كالتعوذ، وهاهنا جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه، فهو يتعوذ منه وهي من أحسن الاستعارات.
السؤال الثاني : لا وجود للبحر العذب، فكيف ذكره اللَّه تعالى هاهنا؟ لا يقال : هذا مدفوع من وجهين :
الأول : أن المراد منه الأودية العظام كالنيل وجيحون الثاني : لعله جعل في البحار موضعا يكون أحد جانبيه عذبا والآخر ملحا، لأنا نقول : أما الأول فضعيف لأن هذه الأودية ليس فيها ماء ملح، والبحار ليس فيها ماء عذب، فلم يحصل ألبتة موضع التعجب وأما / الثاني فضعيف، لأن موضع الاستدلال لا بد وأن يكون معلوما، فأما بمحض التجويز فلا يحسن الاستدلال، لأنا نقول المراد من البحر العذب هذه الأودية، ومن الأجاج البحار الكبار، وجعل بينهما برزخا، أي حائلا من الأرض، ووجه الاستدلال هاهنا بين، لأن العذوبة والملوحة إن كانت بسبب طبيعة الأرض أو الماء، فلا بد من الاستواء، وإن لم يكن كذلك فلا بد من قادر حكيم يخص كل واحد من الأجسام بصفة خاصة معينة.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٤]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤)
[النوع الخامس من دلائل التوحيد] واعلم أن هذا هو النوع الخامس من دلائل التوحيد وفيه بحثان :
الأول : ذكروا في هذا الماء قولين : أحدهما : أنه الماء الذي خلق منه أصول الحيوان، وهو الذي عناه بقوله : وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ [النور : ٤٥] والثاني : أن المراد النطفة لقوله : خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق : ٦]، مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [المرسلات : ٢٠].
البحث الثاني : المعنى أنه تعالى قسم البشر قسمين ذوي نسب، أي ذكورا ينسب إليهم، فيقال فلان بن فلان، وفلانة بنت فلان، وذوات صهر، أي إناثا (يصاهرن) «٢» ونحوه، قوله تعالى : فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [القيامة : ٣٩]، وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً حيث خلق من النطفة الواحدة نوعين من البشر الذكر والأنثى.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٥ إلى ٥٨]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨)
واعلم أنه تعالى لما شرح دلائل التوحيد عاد إلى تهجين سيرتهم في عبادة الأوثان، وفي الآية مسائل :

(١) زيادة من الكشاف.
(٢) في الكشاف (يصاهر بهن).


الصفحة التالية
Icon