مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥١٨
اعلم أن إبراهيم عليه السلام ذكر في وصف هذا اليوم أمورا : أحدها : قوله : وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ والمعنى أن الجنة قد تكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويفرحون بأنهم المحشورون إليها والنار تكون بارزة مكشوفة للأشقياء بمرأى منهم يتحسرون على أنهم المسوقون إليها قال اللَّه تعالى في صفة أهل الثواب وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق : ٣١] وقال في صفة أهل العقاب : فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك : ٢٧] وإنما يفعل اللَّه تعالى ذلك ليكون سرورا معجلا للمؤمنين وغما عظيما للكافرين ثانيها : قوله : وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ إلى قوله : وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ والمعنى أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار وهو قوله :
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ أي الآلهة وعبدتهم الذين برزت لهم الجحيم، والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر في قعرها وَجُنُودُ إِبْلِيسَ متبعوه من عصاة الإنس والجن وثالثها : قوله : قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ.
واعلم أن ظاهر ذلك أن من عبد خاصم المعبود وخاطبه بهذا الكلام، فليس يخلو حال الأصنام من وجهين إما أن يخلقها اللَّه تعالى في الآخرة جمادا يعذب بها أهل النار فحينئذ لا يصح أن تخاطب ويجب حمل قولهم : إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ على أنه ليس بخطاب لهم أو يقال إنه تعالى يحييها في النار، وذلك أيضا


الصفحة التالية
Icon