مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٢٨
قرئ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ بالهمزة وبتخفيفها وبالجر على الإضافة وهو الوجه، ومن قرأ بالنصب وزعم أن ليكة بوزن ليلة اسم بلد يعرف فتوهم قاد إليه خط المصحف حيث وجدت مكتوبة في هذه السورة وفي سورة ص بغير ألف لكن قد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن ليكة اسم لا يعرف، روي أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف وتلك الشجر هي التي حملها المقل، فإن قيل هلا قال أخوهم شعيب كما في سائر المواضع جوابه : أن شعيبا لم يكن من أصحاب الأيكة، وفي الحديث :«إن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة»
ثم إن شعيبا عليه السلام أمرهم بأشياء أحدها : قوله : أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وذلك لأن الكيل على ثلاثة أضرب وأف وطفيف وزائد فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء بقوله :
أَوْفُوا الْكَيْلَ ونهى عن المحرم الذي هو التطفيف بقوله : وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ولم يذكر الزائد لأنه بحيث إن فعله فقد أحسن وإن لم يفعله فلا إثم عليه، ثم إنه لما أمر بالإيفاء بين أنه كيف يفعل فقال : وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ قرئ بالقسطاس مضموما ومكسورا وهو الميزان، وقيل القرسطون وثانيها : قوله تعالى : وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ يقال بخسه حقه إذا نقصه إياه وهذا عام في كل حق يثبت لأحد أن لا يهضم وفي كل ملك أن لا يغصب [علية] «١» مالكه [و لا يتحيف منه ] «٢» ولا يتصرف فيه إلا بإذنه تصرفا شرعيا وثالثها : قوله تعالى : وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ يقال عثا في الأرض وعثى وعاث وذلك نحو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزرع، وكانوا يفعلون ذلك مع / توليتهم أنواع الفساد فنهوا عن ذلك ورابعها : قوله تعالى : وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ وقرئ (الجبلة) بوزن الأبلة وقرئ (الجبلة) بوزن الخلقة ومعناهن واحد أي ذوي الجبلة، والمراد أنه المتفضل بخلقهم وخلق من تقدمهم ممن لولا خلقهم لما كانوا مخلوقين، فلم يكن للقوم جواب إلا ما لو تركوه لكان أولى بهم وهو من وجهين : الأول : قولهم : إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فإن قيل : هل اختلف المعنى بإدخال الواو هاهنا وتركها في قصة ثمود؟
جوابه : إذا دخلت الواو فقد قصد معنيان كلاهما مناف للرسالة عندهم السحر والبشرية وإذا تركت الواو فلم يقصدوا إلا معنى واحدا وهو كونه مسحرا ثم قرره بكونه بشرا مثلهم الثاني : قولهم : وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ ومعناه ظاهر، ثم إن شعيبا عليه السلام كان يتوعدهم بالعذاب إن استمروا على التكذيب فقالوا :
فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ قرئ كسفا بالسكون والحركة وكلاهما جمع كسفة وهي القطعة والسماء السحاب أو الظلة، وهم إنما طلبوا ذلك لاستبعادهم وقوعه فظنوا أنه إذا لم يقع ظهر كذبه فعنده قال شعيب عليه السلام : رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ فلم يدع عليهم بل فوض الأمر فيه إلى اللَّه تعالى فلما استمروا على التكذيب أنزل اللَّه عليهم العذاب على ما اقترحوا من عذاب يوم الظلة إن أرادوا بالسماء السحاب، وإن أرادوا الظلة فقد خالف بهم عن مقترحهم يروى أنه حبس عنهم الريح سبعا وسلط عليهم الرمل فأخذ بأنفاسهم، لا ينفعهم ظل

(١) زيادة من الكشاف ٣ / ١٢٧ ط. دار الفكر.
(٢) زيادة من الكشاف ٣ / ١٢٧ ط. دار الفكر.


الصفحة التالية
Icon