مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٥٠
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٠ إلى ٢٤]
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤)
اعلم أن سليمان عليه السلام لما تفقد الطير أوهم ذلك أنه إنما تفقده لأمر يختص به ذلك الطير، واختلفوا فيما لأجله تفقده على وجوه : أحدها : قول وهب أنه أخل بالنوبة التي كان ينوبها فلذلك تفقده وثانيها :
أنه تفقده لأن مقاييس الماء كانت إليه، وكان يعرف الفصل بين قريبه وبعيده، فلحاجة سليمان إلى ذلك طلبه وتفقده وثالثها : أنه كان يظله من الشمس، فلما فقد ذلك تفقده.
أما قوله : فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ فأم هي المنقطعة نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال ما لي لا أراه، على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول : أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له، ومثله قولهم : إنها لإبل أم شاء.
أما قوله : لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فهذا لا يجوز أن يقوله إلا فيمن هو مكلف أو فيمن قارب العقل فيصلح لأن يؤدب، ثم اختلفوا في قوله : لَأُعَذِّبَنَّهُ فقال ابن عباس إنه نتف الريش والإلقاء في الشمس، وقيل أن يطلى بالقطران ويشمس، وقيل أن يلقى للنمل فتأكله، وقيل إيداعه القفص، وقيل التفريق بينه وبين إلفه، وقيل لألزمنه صحبة الأضداد، وعن بعضهم : أضيق السجون معاشرة الأضداد، وقيل لألزمنه خدمة أقرانه.
أما قوله : فَمَكَثَ فقد قرئ بفتح الكاف وضمها غَيْرَ بَعِيدٍ [غير زمان بعيد] «١» كقولك عن قريب، / ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على إسراعه خوفا من سليمان وليعلم كيف كان الطير مسخرا له.
أما قوله : أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ ففيه تنبيه لسليمان على أن في أدنى خلق اللَّه تعالى من أحاط علما بما لم يحط به، فيكون ذلك لطفا في ترك الإعجاب والإحاطة بالشيء علما أن يعلم من جميع جهاته.
أما قوله : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ فاعلم أن سبأ قرئ بالصرف ومنعه، وقد روي بسكون الباء، وعن ابن كثير في رواية سبا بالألف كقولهم ذهبوا أيدي سبا وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فمن جعله اسما للقبيلة لم يصرف، ومن جعله اسما للحي أو للأب الأكبر صرف، ثم سميت مدينة مأرب بسبإ وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، والنبأ الخبر الذي له شأن.

(١) زيادة من الكشاف.


الصفحة التالية
Icon