مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٥٦
أهديتموها تفرحون من حيث إنكم قدرتم على إهداء مثلها وثالثها : كأنه قال : بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها الثاني : قوله : ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فقيل ارجع خطاب للرسول، وقيل للهدهد مجملا كتابا آخر.
أما قوله تعالى : لا قِبَلَ أي لا طاقة، وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة، أي لا يقدرون أن يقابلوهم.
وقرأ ابن مسعود :(لا قبل لهم بهم)، والضمير في (منها) لسبأ، والذل أن يذهب عنهم ما كان عندهم من العز والملك، والصغار أن يقعوا في أسر واستعباد، ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكا.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٣٨ إلى ٤٠]
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)
اعلم أن في قوله تعالى : قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها دلالة على أنها عزمت على اللحوق بسليمان، ودلالة على أن أمر ذلك العرش كان مشهورا، فأحب أن يحصل عنده قبل حضورها، واختلفوا في غرض سليمان عليه السلام من إحضار ذلك العرش على وجوه : أحدها : أن المراد أن يكون ذلك دلالة لبلقيس على قدرة اللَّه تعالى وعلى نبوة سليمان عليه السلام، حتى تنضم هذه الدلالة إلى سائر الدلائل التي سلفت وثانيها : أراد أن يؤتي بذلك العرش فيغير وينكر، ثم يعرض عليها حتى أنها هل تعرفه أو تنكره، والمقصود اختبار عقلها، وقوله تعالى : قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي [النمل : ٤١] كالدلالة على ذلك وثالثها :
قال قتادة : أراد أن يأخذه قبل إسلامها، لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها ورابعها : أن العرش سرير المملكة، فأراد أن يعرف مقدار مملكتها قبل وصولها إليه.
أما قوله : قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ فالعفريت من الرجال الخبيث المنكر الذي يعفر أقرانه، ومن الشياطين الخبيث المارد.
أما قوله : قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ فالمعنى من مجلسك، ولا بد فيه من عادة معلومة حتى يصح أن يؤقت، فقيل المراد مجلس الحكم بين الناس، وقيل الوقت الذي يخطب فيه الناس، وقيل إلى انتصاف النهار.
وأما قوله : لَقَوِيٌّ أي على حمله أَمِينٌ أتي به كما هو لا أختزل منه شيئا.
أما قوله : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ففيه بحثان :
الأول : اختلفوا في ذلك الشخص على قولين : قيل كان من الملائكة، وقيل كان من الإنس، فمن قال بالأول اختلفوا، قيل هو جبريل عليه السلام، وقيل هو ملك أيد اللَّه تعالى به سليمان عليه السلام، ومن قال بالثاني اختلفوا على وجوه : أحدها : قول ابن مسعود : إنه الخضر عليه السلام وثانيها : وهو المشهور من قول ابن عباس : إنه آصف بن برخيا وزير سليمان، وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم إذا دعا به أجيب وثالثها : قول قتادة : رجل من الإنس كان يعلم اسم اللَّه الأعظم ورابعها : قول ابن زيد : كان رجلا صالحا في جزيرة في البحر، خرج ذلك اليوم ينظر إلى سليمان وخامسها : بل هو سليمان نفسه والمخاطب هو العفريت الذي كلمه،