مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٨٦
على ما قررنا، قوله ذلك القتل كان قتل خطأ، قلنا لا نسلم فلعل الرجل كان ضعيفا وموسى عليه السلام كان في نهاية الشدة، فوكزه كان قاتلا قطعا. ثم إن سلمنا ذلك ولكن لعله عليه السلام كان يمكنه أن يخلص الإسرائيلي من يده بدون ذلك الوكز الذي كان الأولى تركه، فلهذا أقدم على الاستغفار على أنا وإن سلمنا دلالة هذه الآية على صدور المعصية لكنا بينا أنه لا دليل ألبتة على أنه كان رسولا في ذلك الوقت فيكون ذلك صادرا منه قبل النبوة، وذلك لا نزاع فيه المسألة الخامسة : قالت المعتزلة الآية دلت على بطلان قول من نسب المعاصي إلى اللَّه تعالى لأنه عليه السلام قال : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فنسب المعصية إلى الشيطان، فلو كانت بخلق اللَّه تعالى لكانت من اللَّه لا من الشيطان وهو كقول يوسف عليه السلام مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف : ١٠٠] وقول صاحب موسى عليه السلام : وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ [الكهف : ٦٣] وقوله تعالى : لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف : ٢٧].
أما قوله : رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ففيه وجوه : أحدها : أن ظاهره يدل على أنه قال إنك لما أنعمت علي بهذا الإنعام فإني لا أكون معاونا لأحد من المجرمين بل أكون معاونا للمسلمين، وهذا يدل على أن ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية، إذ لو كانت معصية، لنزل الكلام منزلة ما إذا قيل إنك لما أنعمت علي بقبول توبتي عن تلك المعصية فإني أكون مواظبا على مثل تلك المعصية وثانيها : قال القفال : كأنه أقسم بما أنعم اللَّه عليه أن لا يظاهر مجرما، والباء للقسم أي بنعمتك علي وثالثها : قال الكسائي والفراء إنه خبر، ومعناه الدعاء كأنه قال فلا تجعلني ظهيرا، قال الفراء وفي حرف عبد اللَّه فلا تجعلني ظهيرا، واعلم أن في الآية دلالة على أنه لا يجوز معاونة الظلمة والفسقة. وقال ابن عباس : لم يستثن ولم يقل فلن أكون ظهيرا إن شاء اللَّه، فابتلي به في اليوم الثاني، وهذا ضعيف لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة، وإنما خاف منه ذلك العدو فقال : إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ [القصص : ١٩] لا أنه وقع منه.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٨ إلى ٢١]
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)
اعلم أن عند موت ذلك الرجل من الوكز أصبح موسى عليه السلام من غد ذلك اليوم خائفا من أن يظهر أنه هو القاتل فيطلب به، وخرج على استتار فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ وهو الإسرائيلي بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ


الصفحة التالية
Icon