مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١١٣
سردوها سردا، ثم قرروها فردا فردا، كمن يقول الدليل عليه من وجوه : الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، وفي مثل هذا الواجب عدم الالتفات إلى عناد المعاند لأنه يزيده بعناده حتى يضيع الوقت فلا يتمكن المستدل من الإتيان بجميع ما وعد من الدلائل فتنحط درجته فاذن لكل مكان مقال. وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله تعالى :
وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ وفي توحيد الخطاب بقوله : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ والجمع في قوله : إِنْ أَنْتُمْ لطيفة وهي أن اللّه تعالى قال : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ جاءت بها الرسل ويمكن أن يجاء بها يقولون أنتم كلكم أيها المدعون للرسالة مبطلون. ثم بين تعالى أن ذلك بطبع اللّه على قلوبهم بقوله : كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فإن قيل من لا يعلم شيئا أية فائدة في الإخبار عن الطبع على قلبه؟ نقول المعنى هو أن من لا يعلم الآن فقد طبع اللّه على قلبه من قبل، ثم إنه تعالى سلى قلب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بقوله : فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي أن صدقك يبين وقوله : وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ إشارة إلى وجوب مداومة النبي عليه الصلاة والسلام على الدعاء إلى الإيمان فإنه لو سكت لقال الكافر إنه متقلب الرأي، لا ثبات له. واللّه أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب والحمد للّه رب العالمين وصلاته على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين.