مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٢١
في موضع حريز كالصخرة لا تخفى على اللّه لأن الفاء للاتصال بالتعقيب.
المسألة الثانية : لو قيل الصخرة لا بد من أن تكون في السموات أو في الأرض فما الفائدة في ذكرها؟
ولأن القائل لو قال هذا رجل أو امرأة أو ابن عمرو لا يصح هذا الكلام لكون ابن عمرو داخلا في أحد القسمين فكيف يفهم هذا، فنقول الجواب عنه من أوجه أحدها : ما قاله بعض المفسرين وهو أن المراد بالصخرة صخرة عليها الثور وهي لا في الأرض ولا في السماء والثاني : ما قاله الزمخشري وهو أن فيه إضمارا تقديره فتكن في صخرة أو في موضع آخر في السموات أو في الأرض والثالث : أن نقول تقديم الخاص وتأخير العام في مثل هذا التقسيم جائز وتقديم العام وتأخير الخاص غير جائز، أما الثاني فلما بينتم أن من قال هذا في دار زيد أو في غيرها أو في دار عمرو لا يصح لكون دار عمرو داخلة في قوله أو في غيرها، وأما الأول فلأن قول القائل هذا في دار زيد أو في دار عمرو أو في غيرها صحيح غير قبيح فكذلك هاهنا قدم الأخص أو نقول خفاء الشيء يكون بطرق منها أن يكون في غاية الصغر ومنها أن يكون بعيدا، ومنها أن يكون في ظلمة، ومنها أن يكون من وراء حجاب، فإن انتفت الأمور بأسرها بأن يكون كبيرا قريبا في ضوء من غير حجاب فلا يخفى في العبادة، فأثبت اللّه الرؤية والعلم مع انتفاء الشرائط فقوله : إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ إشارة إلى الصغر وقوله : فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ إشارة إلى الحجاب وقوله : أَوْ فِي السَّماواتِ إشارة إلى العبد فإنها أبعد الأبعاد وقوله : أَوْ فِي الْأَرْضِ إشارة إلى الظلمات فإن جوف الأرض أظلم الأماكن وقوله : يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أبلغ من قول القائل يعلمها اللّه لأن من يظهر له الشيء ولا يقدر على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دون حال من يظهر له الشيء ويظهره لغيره فقوله : يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أي يظهرها اللّه للأشهاد وقوله : إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ أي نافذ القدرة خَبِيرٌ أي عالم ببواطن الأمور. ثم قال تعالى :
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٧]
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)
لما منعه من الشرك وخوفه بعلم اللّه وقدرته أمره بما يلزمه من التوحيد وهو الصلاة وهي العبادة لوجه اللّه مخلصا، وبهذا يعلم أن الصلاة كانت في سائر الملل غير أن هيئتها اختلفت.
ثم قال تعالى : وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ أي إذا كملت أنت في نفسك بعبادة اللّه فكمل / غيرك، فإن شغل الأنبياء وورثتهم من العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم، فإن قال قائل كيف قدم في وصيته لابنه الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر، وقبل قدم النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف فإنه أول ما قال يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ ثم قال : يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ فنقول هو كان يعلم من ابنه أنه معترف بوجود اللّه فما أمره بهذا المعروف ونهاه عن المنكر الذي يترتب على هذا المعروف، فإن المشرك باللّه لا يكون نافيا للّه في الاعتقاد وإن كان يلزمه نفيه بالدليل فكان كل معروف في مقابلته منكر والمعروف في معرفة اللّه اعتقاد وجوده والمنكر اعتقاد وجود غيره معه، فلم يأمره بذلك المعروف لحصوله ونهاه عن المنكر لأنه ورد في التفسير أن ابنه كان مشركا فوعظه ولم يزل يعظه حتى أسلم، وأما هاهنا فأمره أمرا مطلقا والمعروف مقدم على المنكر ثم قال تعالى : وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ يعني أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذى فأمره


الصفحة التالية
Icon