مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٢٨
الأقوال فيه يدل على جواز ما ذكرنا، لأنه إذا صلح جوابا لهذه الأشياء التي ذكرتموها وهي متباينة علم أنها عامة وما ذكرنا لا ينافي هذا، لأن كلام اللّه عجيب معجز لا يقدر أحد على الإتيان بمثله، وإذا قلنا بأن عجائب اللّه لا نهاية لها دخل فيها كلامه، لا يقال إنك جعلت الكلام مخلوقا، لأنا نقول المخلوق هو الحرف والتركيب وهو عجيب، وأما الكلمات فهي من صفات اللّه تعالى واعلم أن الآية وإن كانت نازلة على ترتيب غير الذي هو مكتوب، ولكن الترتيب المكتوب عليه القرآن بأمر اللّه، فإنه بأمر الرسول كتب كذلك، وأمر الرسول من أمر اللّه وذلك محقق متيقن من سنن الترتيب الذي فيه، ثم إن الآية فيها لطائف الأولى : قال : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وحد الشجرة وجمع الأقلام ولم يقل ولو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام ولا قال ولو أن ما في الأرض من شجرة قلم إشارة إلى التكثير، يعني ولو أن بعدد كل شجرة أقلاما الثانية : قوله : وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ تعريف البحر باللام لاستغراق الجنس وكل بحر مداد، ثم قوله : يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ إشارة إلى بحار غير موجودة، يعني لو مدت البحار الموجودة بسبعة أبحر أخر وقوله : سَبْعَةُ ليس لانحصارها في سبعة، وإنما الإشارة إلى المدد والكثرة ولو بألف بحر، والسبعة خصصت بالذكر من بين الأعداد، لأنها عدد كثير يحصر المعدودات في العادة، والذي يدل عليه وجوه الأول : هو أن ما هو معلوم عند كل أحد لحاجته إليه هو الزمان والمكان، لأن المكان فيه الأجسام والزمان فيه الأفعال، لكن المكان منحصر في سبعة أقاليم والزمان في سبعة أيام، ولأن الكواكب السيارة سبعة، وكان المنجمون ينسبون إليها أمورا، فصارت السبعة كالعدد الحاصر للكثرات الواقعة في العادة فاستعملت في كل كثير الثاني : هو أن الآحاد إلى العشرة وهي العقد الأول وما بعده يبتدئ من الآحاد مرة
أخرى فيقال أحد عشر واثنا عشر، ثم المئات من العشرات والألوف من المئات، إذا علم هذا فنقول أقل ما يلتئم منه أكثر المعدودات هو الثلاثة، لأنه يحتاج إلى طرفين مبدأ ومنتهى ووسط، ولهذا يقال أقل ما يكون الإسم والفعل منه هو ثلاثة أحرف، فإذا كانت الثلاثة هو القسم الأول من العشرة التي هو العدد الأصلي تبقى / السبعة القسم الأكثر، فإذا أريد بيان الكثرة ذكرت السبعة، ولهذا فإن المعدودات في العبادات من التسبيحات في الانتقالات في الصلوات ثلاثة، والمرار في الوضوء ثلاثة تيسيرا للأمر على المكلف اكتفاء بالقسم الأول، إذا ثبت هذا فنقول
قوله عليه السلام :«المؤمن يأكل في معى والكافر يأكل في سبعة أمعاء»
إشارة إلى قلة الأكل وكثرته من غير إرادة السبعة بخصوصها، ويحتمل أن يقال إن لجهنم سبعة أبواب بهذا التفسير، ثم على هذا فقولنا للجنة ثمانية أبواب إشارة إلى زيادتها فإن فيها الحسنى وزيادة فلها أبواب كثيرة وزائدة على كثرة غيرها، والذي يدل على ما ذكرنا في السبعة أن العرب عند الثامن يزيدون واوا، يقول الفراء إنها واو الثمانية وليس ذلك إلا للاستئناف لأن العدد بالسبعة يتم في العرف، ثم بالثامن استئناف جديد اللطيفة الثالثة : لم يقل في الأقلام المدد لوجهين أحدهما : هو أن قوله : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ بينا أن المراد منه هو أن يكون بعدد كل شجرة موجودة أقلام فتكون الأقلام أكثر من الأشجار الموجودة وقوله في البحر : وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ... سَبْعَةُ أَبْحُرٍ إشارة إلى أن البحر لو كان أكثر من الموجود لاستوى القلم والبحر في المعنى والثاني : هو أن النقصان بالكتابة يلحق المداد أكثر فإنه هو النافد والقلم الواحد يمكن أن يكتب به كتب كثيرة فذكر المدد في البحر الذي هو كالمداد.
ثم قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لما ذكر أن ملكوته كثيرا أشار إلى ما يحقق ذلك فقال : إِنَّهُ عَزِيزٌ


الصفحة التالية
Icon