مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٣١
ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لقمان : ٢٧] وبقوله : يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ [لقمان : ٢٩] وعلى الجملة فقوله : هُوَ الْغَنِيُّ إشارة إلى كل صفة سلبية فإنه إذا كان غنيا لا يكون عرضا محتاجا إلى الجوهر في القوام، ولا جسما محتاجا إلى الحيز في الدوام، ولا شيئا من / الممكنات المحتاجة إلى الموجد، وذكر بعده جميع الأوصاف الثبوتية صريحا وتضمنا، فإن الحياة في ضمن العلم والقدرة قال ذلك بأن اللّه هو الحق أي ذلك الاتصاف بأنه هو الحق والحق هو الثبوت والثابت اللّه وهو الثابت المطلق الذي لا زوال له وهو الثبوت، فإن المذهب الصحيح أن وجوده غير حقيقته فكل ما عداه فله زوال نظرا إليه واللّه له الثبوت والوجود نظرا إليه فهو الحق وما عداه الباطل لأن الباطل هو الزائل يقال بطل ظله إذا زال وإذا كان له الثبوت من كل وجه يكون تاما لا نقص فيه.
ثم اعلم أن الحكماء قالوا اللّه تام وفوق التمام وجعلوا الأشياء على أربعة أقسام ناقص ومكتف وتام وفوق التمام (فالناقص) ما ليس له ما ينبغي أن يكون له كالصبي والمريض والأعمى (و المكتفي) وهو الذي أعطى ما يدفع به حاجته في وقته كالإنسان والحيوان الذي له من الآلات ما يدفع به حاجته في وقتها لكنها في التحلل والزوال (و التام) ما حصل له كل ما جاز له، وإن لم يحتج إليه كالملائكة المقربين لهم درجات لا تزداد ولا ينقص اللّه منها لهم شيئا كما قال جبريل عليه السلام «لو دنوت أنملة لاحترقت» لقوله تعالى : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصافات : ١٦٤] (و فوق التمام) هو الذي حصل له ما جاز له وحصل لما عداه ما جاز له أو احتاج إليه لكن اللّه تعالى حاصل له كل ما يجوز له من صفات الكمال ونعوت الجلال، فهو تام وحصل لغيره كل ما جاز له أو احتاج إليه فهو فوق التمام إذا ثبت هذا فنقول قوله : هُوَ الْحَقُّ إشارة إلى التمام وقوله :
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ أي فوق التمام وقوله : هُوَ الْعَلِيُّ أي في صفاته وقوله : الْكَبِيرُ أي في ذاته وذلك ينافي أن يكون جسما في مكان لأنه يكون حينئذ جسدا مقدرا بمقدار فيمكن فرض ما هو أكبر منه فيكون صغيرا بالنسبة إلى المفروض لكنه كبير من مطلقا أكبر من كل ما يتصور.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٣١]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١)
ثم قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ لما ذكر آية سماوية بقوله :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [لقمان : ٢٩] وأشار إلى السبب والمسبب ذكر آية أرضية، وأشار إلى السبب والمسبب فقوله : الْفُلْكَ تَجْرِي إشارة إلى المسبب وقوله : بِنِعْمَتِ اللَّهِ إشارة إلى السبب أي إلى الريح التي هي بأمر اللّه لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يعنى يريكم بإجرائها بنعمته مِنْ آياتِهِأي بعض آياته، ثم قال تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ / صَبَّارٍ شَكُورٍ صبار في الشدة شكور في الرخاء، وذلك لأن المؤمن متذكر عند الشدة والبلاء عند النعم والآلاء فيصبر إذا أصابته نقمة ويشكر إذا أتته نعمة وورد في كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم «الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر»
إشارة إلى أن التكاليف أفعال وتروك والتروك صبر عن المألوف كما
قال عليه الصلاة والسلام «الصوم صبر والأفعال شكر على المعروف».
ثم قال تعالى :
[سورة لقمان (٣١) : آية ٣٢]
وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)


الصفحة التالية
Icon