مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٣٣
والده ويحضر هو بدله، فإذا انتهى الأمر إلى الإيلام يهون على الأب أن يدفع الإيلام عن ابنه ويتحمله هو بنفسه فقوله : لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ في دفع الآلام وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً في دفع الاهانة، وفي قوله : لا يَجْزِي وقوله : وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ (لطيفة أخرى) وهي أنا ذكرنا أن الفعل يتأتى وإن كان ممن لا ينبغي ولا يكون من شأنه لأن الملك إذا كان يخيط شيئا يقال إنه يخيط ولا يقال هو خياط، وكذلك من يحيك شيئا ولا يكون ذلك صنعته يقال هو يحيك ولا يقال هو حائك، إذا علمت هذا فنقول الإبن من شأنه أن يكون جازيا عن والده لما له عليه من الحقوق والوالد يجزي لما فيه من الشفقة وليس بواجب عليه ذلك فقال في الوالد لا يجزي وقال في الولد وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ.
ثم قال تعالى : إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وهو يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون تحقيقا لليوم يعني / اخشوا يوما هذا شأنه وهو كائن لوعد اللّه به ووعده حق والثاني : أن يكون تحقيقا لعدم الجزاء يعني : لا يجزي والد عن ولده لأن اللّه وعد بألا تزر وازرة وزر أخرى ووعد اللّه حق، فلا يجزي والأول أحسن وأظهر.
ثم قال تعالى : فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا يعني إذا كان الأمر كذلك فلا تغتروا بالدنيا فإنها زائلة لوقوع [ذلك ] اليوم المذكور بالوعد الحق.
ثم قال تعالى : وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ يعني الدنيا لا ينبغي أن تغركم بنفسها ولا ينبغي أن تغتروا [بها] وإن حملكم على محبتها غار من نفس أمارة أو شيطان فكان الناس على أقسام منهم من تدعوه الدنيا إلى نفسها فيميل إليها ومنهم من يوسوس في صدره الشيطان ويزين في عينه الدنيا ويؤمله ويقول إنك تحصل بها الآخرة أو تلتذ بها ثم تتوب فتجتمع لك الدنيا والآخرة، فنهاهم عن الأمرين وقال كونوا قسما ثالثا، وهم الذين لا يلتفتون إلى الدنيا ولا إلى من يحسن الدنيا في الأعين. ثم قال تعالى :
[سورة لقمان (٣١) : آية ٣٤]
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)
يقول بعض المفسرين إن اللّه تعالى نفى علم أمور خمسة بهذه الآية عن غيره وهو كذلك لكن المقصود ليس ذلك، لأن اللّه يعلم الجوهر الفرد الذي كان في كثيب رمل في زمان الطوفان ونقله الريح من المشرق إلى المغرب كم مرة، ويعلم أنه أين هو ولا يعلمه غيره، ولأن يعلم أنه يوجد بعد هذه السنين ذرة في برية لا يسلكها أحد ولا يعلمه غيره، فلا وجه لاختصاص هذه الأشياء بالذكر وإنما الحق فيه أن نقول لما قال اللّه : اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وذكر أنه كائن بقوله : إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ كأن قائلا قال فمتى يكون هذا اليوم فأجيب بأن هذا العلم ما لم يحصل لغير اللّه ولكن هو كائن، ثم ذكر الدليلين الذين ذكرناهما مرارا على البعث أحدهما : إحياء الأرض بعد موتها كما قال تعالى : وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى [الروم : ٤٩، ٥٠] وقال تعالى :
وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم : ١٩] وقال هاهنا يا أيها السائل إنك لا تعلم وقتها ولكنها كائنة واللّه قادر عليها كما هو قادر على إحياء الأرض حيث قال وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ [الشورى : ٢٨]


الصفحة التالية
Icon