مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٦٣
ويمكن أن يقال معناه أنهم قليلو الخير في الحالتين كثير والشر في الوقتين في الأول يبخلون، وفي الآخر كذلك.
ثم قال تعالى : أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يعني لم يؤمنوا حقيقة وإن أظهروا الإيمان لفظا فأحبط اللّه أعمالهم التي كانوا يأتون بها مع المسلمين وقوله : وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً إشارة إلى ما يكون في نظر الناظر كما في قوله تعالى : وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم : ٢٧] وذلك لأن الإحباط إعدام وإهدار، وإعدام الأجسام إذا نظر الناظر يقول الجسم بتفريق أجزائه، فإن من أحرق شيئا يبقى منه رماد، وذلك لأن الرماد إن فرقته الريح يبقى منه ذرات، وهذا مذهب بعض الناس والحق هو أن اللّه يعدم الأجسام ويعيد ما يشاء منها، وأما العمل فهو في العين معدوم وإن كان يبقى يبقى بحكمه وآثاره، فإذا لم يكن له فائدة واعتبار فهو معدوم حقيقة وحكما فالعمل إذا لم يعتبر فهو معدوم في الحقيقة بخلاف الجسم. ثم قال تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٠ إلى ٢١]
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١)
أي من غاية الجبن عند ذهابهم كانوا يخافونهم وعند مجيئهم كانوا يودون لو كانوا في البوادي ولا يكونون بين المقاتلين مع أنهم عند حضورهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كما قال تعالى :/ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا. ثم قال تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢٢]
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢)
لما بين حال المنافقين ذكر حال المؤمنين وهو أنهم قالوا هذا ما وعدنا اللّه من الابتلاء ثم قالوا :
وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ في مقابلة قولهم : ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب : ١٢] وقولهم :
وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق اللّه قبل الوقوع وإنما هي إشارة إلى بشارة وهو أنهم قالوا : هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وقد وقع وصدق اللّه في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس وقوله : ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً بوقوعه وتسليما عند وجوده. ثم قال تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٣ إلى ٢٥]
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥)
إشارة إلى وفائهم بعهدهم الذي عاهدوا اللّه أنهم لا يفارقون نبيه إلا بالموت فمنهم من قضى نحبه أي قاتل حتى قتل فوفى بنذره والنحب النذر، ومنهم من هو بعد في القتال ينتظر الشهادة وفاء بالعهد وما بدلوا تبديلا بخلاف المنافقين فإنهم قالوا لا نولي الأدبار فبدلوا قولهم وولوا أدبارهم وقوله : لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ أي بصدق ما وعدهم في الدنيا والآخرة كما صدقوا مواعيدهم ويعذب المنافقين الذين كذبوا وأخلفوا


الصفحة التالية
Icon