مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٦٥
بالدخول عليهم وأخذ قلاعهم ثم أموالهم التي كانت في بيوتهم وقوله : وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها قيل المراد القلاع وقيل المراد الروم وأرض فارس وقيل كل ما يؤخذ إلى يوم القيامة : وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً هذا يؤكد قول من قال إن المراد من قولهم : وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها هو ما سيؤخذ بعد بني قريظة، ووجهه هو أن اللّه تعالى لما ملكهم تلك البلاد ووعدهم بغيرها دفع استبعاد من لا يكون قوي الاتكال على اللّه تعالى وقال أليس اللّه ملككم هذه فهو على كل شيء قدير يملككم غيرها. ثم قال تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٨ إلى ٢٩]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)
وجه التعلق هو أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين التعظيم لأمر اللّه والشفقة على خلق اللّه، وإلى هذا أشار عليه السلام
بقوله :«الصلاة وما ملكت أيمانكم»
ثم إن اللّه تعالى لما أرشد نبيه إلى ما يتعلق بجانب التعظيم للّه بقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب : ١] ذكر ما يتعلق بجانب الشفقة وبدأ بالزوجات فإنهن أولى الناس بالشفقة، ولهذا قدمهن في النفقة، وفي الآية مسائل فقهية منها أن التخيير / هل كان واجبا على النبي عليه السلام أم لا؟ فنقول التخيير قولا كان واجبا من غير شك لأنه إبلاغ الرسالة، لأن اللّه تعالى لما قال له قل لهم صار من الرسالة، وأما التخيير معنى فمبني على أن الأمر للوجوب أم لا؟ والظاهر أنه للوجوب، ومنها أن واحدة منهن لو اختارت الفراق هل كان يصير اختيارها فراقا والظاهر أنه لا يصير فراقا وإنما تبين المختارة نفسها بإبانة من جهة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لقوله تعالى : فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ومنها أن واحدة منهن إن اختارت نفسها وقلنا بأنها لا تبين إلا بإنابة من جهة النبي عليه السلام فهل كان يجب على النبي عليه السلام الطلاق أو لا؟ الظاهر نظرا إلى منصب النبي عليه السلام أنه كان يجب، لأن الخلف في الوعد من النبي غير جائز بخلاف واحد منا، فإنه لا يلزمه شرعا الوفاء بما يعد ومنها أن المختارة بعد البينونة هل كانت تحرم على غيره أم لا، والظاهر أنها لا تحرم، وإلا لا يكون التخيير ممكنا لها من التمتع بزينة الدنيا، ومنها أن من اختارت اللّه ورسوله كان يحرم على النبي عليه الصلاة والسلام طلاقها أم لا؟ الظاهر الحرمة نظرا إلى منصب الرسول عليه الصلاة والسلام على معنى أن النبي عليه السلام لا يباشره أصلا، بمعنى أنه لو أتى به لعوقب أو عوتب، وفيها لطائف لفظية منها تقديم اختيار الدنيا، إشارة إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام غير ملتفت إلى جانبهن غاية الالتفات وكيف وهو مشغول بعبادة ربه، ومنها قوله عليه السلام : أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا إشارة إلى ما ذكرنا، فإن
السراح الجميل مع التأذي القوي لا يجتمع في العادة، فعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يتأثر من اختيارهن فراقه بدليل أن التسريح الجميل منه، ومنها قوله : وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ إعلاما لهن بأن في اختيار النبي عليه السلام اختيار اللّه ورسوله والدار الآخرة وهذه الثلاثة هي الدين وقوله : أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أي لمن عمل صالحا منكن، وقوله : تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فيه معنى الإيمان، وقوله : لِلْمُحْسِناتِ لبيان الإحسان حتى تكون الآية في المعنى، كقوله تعالى : وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [لقمان : ٢٢] وقوله تعالى : مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [الكهف : ٨٨] وقوله :
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [البقرة : ٨٢] والأجر العظيم الكبير في الذات الحسن في الصفات الباقي في


الصفحة التالية
Icon