مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٦٩
فمنه منه بقوله : وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ أو نقول لما ذكر هذه الحسنات أشار إلى ما يمنع منها وهو إما حب الجاه أو حب المال من الأمور الخارجية أو الشهوة من الأمور الداخلة، والغضب منهما يكون لأنه يكون بسبب نقص جاه أو فوت مال أو منع من أمر مشتهى فقوله : وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ أي المتواضعين الذين لا يميلهم الجاه عن العبادة، ثم قال تعالى : وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ أي الباذلين الأموال الذين لا يكنزونها لشدة محبتهم إياها. ثم قال تعالى : وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ إشارة إلى الذين لا تمنعهم الشهوة البطنية من عبادة اللّه. ثم قال تعالى : وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ أي الذين لا تمنعهم الشهوة الفرجية.
ثم قال تعالى : وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ يعني هم في جميع هذه الأحوال يذكرون اللّه ويكون إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم وصدقهم وصبرهم وخشوعهم وصدقتهم وصومهم بنية صادقة للّه، واعلم أن اللّه تعالى في أكثر المواضع حيثعلى محل الكاف أي وأرسلنا سراجا منيرا وعلى قولنا إنه عطف على مُبَشِّراً وَنَذِيراً يكون معناه وذا سراج لأن الحال لا يكون إلا وصفا للفاعل أو المفعول، والسراج ليس وصفا لأن النبي عليه السلام لم يكن سراجا حقيقة أو يكون كقول القائل رأيته أسدا أي شجاعا فقوله سراجا أي هاديا مبينا كالسراج يرى الطريق ويبين الأمر.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٧]
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧)
وقوله تعالى : وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عطف على مفهوم تقديره إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا فاشهد وبشر ولم يذكر فاشهد للاستغناء عنه، وأما البشارة فإنها ذكرت إبانة للكرم ولأنها غير واجبة لولا الأمر. وقوله تعالى :
بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً هو مثل قوله : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب : ٣٥] فالعظيم والكبير متقاربان وكونه من اللّه كبير فكيف إذا كان مع ذلك كبارة أخرى. وقوله تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٨]
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٤٨)
إشارة إلى الإنذار يعني خالفهم وورد عليهم. وعلى هذا فقوله تعالى : وَدَعْ أَذاهُمْ أي دعه إلى اللّه فإنه يعذبهم بأيديكم وبالنار، ويبين هذا قوله تعالى : وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي اللّه كاف عبده، قال بعض المعتزلة لا يجوز تسمية اللّه بالوكيل لأن الوكيل أدون من الموكل وقوله تعالى : وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا حجة عليه وشبهته واهية من حيث إن الوكيل قد يوكل للترفع وقد يوكل للعجز واللّه وكيل عباده لعجزهم عن التصرف، وقوله تعالى : وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يتبين إذا نظرت في الأمور التي لأجلها لا يكفى الوكيل الواحد منها أن لا يكون قويا قادرا على العمل كالملك الكثير الأشغال يحتاج إلى وكلاء لعجز الواحد عن القيام بجميع أشغاله، ومنها أن لا يكون عالما بما فيه التوكيل، ومنها أن لا يكون غنيا، واللّه تعالى عالم قادر وغير محتاج فكيفي وكيلا. ثم قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon