مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٧٨
في معنى الحال، ولا يجوز أن يكون ذو الحال قوله : مِنْ أَزْواجٍ لغاية التنكير فيه ولكون ذي الحال لا يحسن أن يكون نكرة فإذن هو النبي عليه السلام، يعني لا يحل لك النساء ولا أن تبدل بهن من أزواج وأنت معجب بحسنهن.
المسألة الخامسة : ظاهر هذا ناسخ لما كان قد ثبت له عليه السلام من أنه إذا رأى واحدة فوقعت في قلبه موقعا كانت تحرم على الزوج ويجب عليه طلاقها، وهذه المسألة حكمية وهي أن النبي عليه السلام وسائر الأنبياء في أول النبوة تشتد عليهم برحاء الوحي ثم يستأنسون به فينزل عليهم وهم يتحدثون مع أصحابهم لا يمنعهم من ذلك مانع، ففي أول الأمر أحل اللّه من وقع في قلبه تفريغا لقلبه وتوسيعا لصدره لئلا يكون مشغول القلب بغير اللّه، ثم لما استأنس بالوحي وبمن على لسانه الوحي نسخ ذلك، إما لقوته عليه السلام للجمع بين الأمرين، وإما أنه بدوام الإنزال لم يبق له مألوف من أمور الدنيا، فلم يبق له التفات إلى غير اللّه، فلم يبق له حاجة إلى إحلال التزوج بمن وقع بصره عليها.
المسألة السادسة : اختلف العلماء في أن تحريم النساء عليه هل نسخ أم لا؟ فقال الشافعي نسخ وقد قالت عائشة ما مات النبي إلا وأحل له النساء، وعلى هذا فالناسخ قوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ [الأحزاب : ٥٠] إلى أن قال : وَبَناتِ عَمِّكَ وقال : وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً على قول من يقول لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد إذ الناسخ غير متواتر إن كان خبرا.
ثم قال تعالى : إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ لم يحرم عليه المملوكات لأن الإيذاء لا يحصل بالمملوكة، ولهذا لم يجز للرجل أن يجمع بين ضرتين في بيت لحصول التسوية بينهما وإمكان المخاصمة، ويجوز أن يجمع الزوجة وجمعا من المملوكات لعدم التساوي بينهن ولهذا لا قسم لهن على أحد.
ثم قال تعالى : وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً أي حافظا عالما بكل شيء قادرا عليه، لأن الحفظ لا يحصل إلا بهما.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (٥٣)
ثم قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ.
لما ذكر اللّه تعالى في النداء الثالث يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً [الأحزاب : ٤٥] بيانا لحاله مع أمته العامة قال للمؤمنين في هذا النداء لا تدخلوا إرشادا لهم وبيانا لحالهم مع النبي عليه السلام من الاحترام ثم إن حال الأمة مع النبي على وجهين أحدهما : في حال الخلوة والواجب هناك عدم إزعاجه وبين ذلك بقوله :
لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ وثانيهما : في الملأ والواجب هناك إظهار التعظيم كما قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ


الصفحة التالية
Icon